إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا
الإسهامات العلمية و الفكرية للمسلمين في التراث الإنساني :
افتتاحية :
شأن كل العلوم التي تتقدَّم وتتطوَّر مع تعاقب الأمم والحضارات، قامت
العلوم الطبيعيَّة عند المسلمين في بدئها على مؤلَّفات اليونان، تلك التي استند
فيها اليونانيُّون إلى الفلسفة المجرَّدة في محاولاتهم فَهْم الطبيعة، ودون أن يكون للتجربة
دور يُذْكَر في تلك المحاولات، غير أن العلماء المسلمين ما لبثوا أن طوَّروا هذا
الأساس، وخاضوا غمار علم الفيزياء ببراعة وذكاء منقطعَي النظير، حتى لكأنهم أنشئوا
علمًا جديدًا، وذلك حين جعلوا علم الفيزياء عِلمًا يستند إلى التجربة والاستقراء،
عوضًا عن الاعتماد على الفلسفة أو التأمُّلات والأفكار المجرَّدة.
فكان من جرَّاء ذلك أنهم استنتجوا نظريات جديدة وبحوثًا مبتكرة، مثل:
قوانين الحركة، والقوانين المائية، وقانون الجاذبية الأرضيَّة، كما بحثوا في الوزن
النوعي للمعادن والسوائل، واستطاعوا قياس الوزن النوعي للسوائل، والذي يُعَدُّ في
هذا العصر، بما فيه من وسائل متطوِّرة، أمرًا عسيرًا!
فقد اتَّكأ المسلمون في البدء على كتب السابقين، مثل كتاب (الطبيعة)
لأرسطو طاليس الذي تحدث فيه عن علم الحركة، وكذلك مؤلفات أرشميدس التي
تحوي معلومات عن الأجسام الطافية في الماء والوزن النوعي لبعض الموادِّ، ومصنفات
أكتسبيوس التي تتضمَّن نتائج علميَّة عن المضخَّة الرافعة والساعات
المائيَّة، وكذلك هيرون السكندري. الذي تحدَّث عن البكرة والعجلة وقانون الشغل.ثم ما لبث العلماء المسلمون أن طوَّروا نظريات وأفكار السابقين
الفيزيائية، واستطاعوا أن يخرجوها من طور النظريَّة المجرَّدة إلى طور التجربة
العمليَّة، والتي هي عماد هذا العلم.
أولا : إسهامات المسلمين في ميدان العلوم الطبيعية
تطوير علماء المسلمين لعلم الصوت
بحث العلماء المسلمون في علم الصوت وفي منشئه وكيفيَّة انتقاله،
فكانوا أول من عرف أن الأصوات تنشأ عن حركة الأجسام المحدِثة لها، وانتقالها في
الهواء على هيئة موجات تنتشر على شكل كروي، وهم أول من قسَّم الأصوات إلى أنواع،
وعلَّلوا سبب اختلافها عن الحيوانات باختلاف طول أعناقها، وسعة حلاقيمها
وتركيب حناجرها، وكانوا أول من علَّل الصدى وقالوا: إنه يحدث عن انعكاس الهواء
المتموِّج من مصادفة عالٍ كجبل أو حائط، ويمكن أن لا يقع الحسُّ بالانعكاس لقرب
المساحة؛ فلا يُحَسُّ بتفاوت زمانَي الصوت وانعكاسه.
تطوير علماء المسلمين لعلم السوائل :
أما علم السوائل فقد ألَّف العلماء المسلمون فصولاً متخصِّصة في كيفية
حساب الوزن النوعي لها؛ إذ ابتدعوا طرقًا عديدة لاستخراجه، وتوصَّلوا إلى معرفة
كثافة بعض العناصر، وكان حسابهم دقيقًا ومطابقًا -أحيانًا- لما هو عليه الآن، أو
مختلفًا عنه بفارقٍ يسير.
إسهامات علماء المسلمين في الفيزياء :
أبو الريحان البيروني : من علماء المسلمين الذين اشتهروا بالفيزياء
أبو الريحان البيروني، وهو الذي "عيَّن الكثافة النوعيَّة لثمانية عشر نوعًا
من أنواع الحجارة الكريمة، ووضع القاعدة التي تنصُّ على أن الكثافة النوعيَّة
للجسم تتناسب مع حجم الماء الذي يزيحه... وشرح أسباب خروج الماء من العيون
الطبيعيَّة، والآبار الارتوازية بنظرية الأواني المستطرَقة".
أبو الفتح الخازني : قد أبدع الخازني في حقل الفيزياء أيَّما إبداع، وخاصَّة
موضوعَي الحركي (الديناميكا) وعلم السوائل الساكنة (الهيدروستاتيكا)، لدرجة أدهشت
الباحثين الذين أتوا بعده، ولا تزال نظرياته تدرَّس في حقل الحركيَّة في المدارس
والجامعات إلى يومنا هذا، ومن هذه النظريات نظرية الميل والانحدار ونظريَّة
الاندفاع، وهاتان النظريتان أدَّتا دورًا مهمًّا في علم الحركيَّة، ويَعتبر الكثير
من المؤرِّخين في تاريخ العلوم الخازنيَّ أستاذ الفيزياء لجميع العصور،
قوانين الحركة
وإذا ما عددنا قوانين الحركة من بحوث علم الفيزياء، فإن لعلماء
المسلمين الفضل في اكتشاف هذه القوانين؛ إذ تكمن أهمية قوانين الحركة في أنها
تُعَدُّ صُلب الحضارة المعاصرة، حيث إن كل علوم الآلات المتحرِّكة في العصر
الحاضر، ابتداءً من السيارة والقطار والطائرة إلى صواريخ الفضاء والصواريخ العابرة
للقارَّات وغيرها، إنما تقوم وترتكز عليها، وبقوانين الحركة غزا الإنسان الفضاء
الخارجي، واستطاع أن يهبط على سطح القمر. وقوانين الحركة تُعَدُّ كذلك أساس جميع
العلوم الفيزيائية التي تقوم على الحركة؛ فالبصريات هي حركة الضوء، والصوت هو حركة
الموجات الضوئية، والكهرباء هي حركة الإلكترونات...
علماء المسلمين واكتشاف قوانين الحركة الثلاثة
المشهور عند عموم الناس في الشرق والغرب أن مكتشف هذه القوانين هو
العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن، وذلك منذ أن نشرها في كتابه المسمَّى (الأصول
الرياضية للفلسفة الطبيعية).
وقد ظلَّت هذه هي الحقيقة المعروفة في العالم كله، بل وفي جميع
المراجع العلمية -ومنها بالطبع مدارس المسلمين- حتى مطلع القرن العشرين، وذلك حين
تصدَّى للبحث جماعة من علماء الطبيعة المسلمين المعاصرين، وكان في مقدمتهم الدكتور
مصطفى نظيف أستاذ الفيزياء، والدكتور جلال شوقي أستاذ الهندسة
الميكانيكية، والدكتور علي عبد الله الدفاع أستاذ الرياضيات.. فتوفَّروا على
دراسة ما جاء في المخطوطات الإسلاميَّة في هذا المجال، فاكتشفوا أن الفضل الحقيقي
في اكتشاف هذه القوانين إنما يرجع إلى علماء المسلمين، وأن ما كان دور
نيوتن وفضله فيها إلا تجميع مادَّة هذه القوانين وصياغتها، وتحديده لها في
قالب رياضي! ولا ريب
-بعدُ- في أن ما أورده علماء المسلمين في هذه النصوص هو أصل القانون الثالث
للحركة، والذي صاغه نيوتن بطريقته بعد أن استولى على مادَّته!!.
اهتمام المسلمين بالفلك
اطَّلع المسلمون في بداية تطويرهم لعلم الفلك على ما خلَّفه علماء
الحضارات السابقة فيه؛ فقاموا أولاً بترجمة الكتب الفلكيَّة التي ألَّفها
اليونان والكلدان والسريان والفرس والهنود، وكان أول كتاب قام علماء المسلمين
بترجمته هو كتاب (مفاتيح النجوم) المنسوب إلى هرمس الحكيم، ترجموه من اليونانية
إلى العربيَّة، وذلك أواخر عصر الدولة الأمويَّة، وكان من الكتب الفلكيَّة المهمَّة المترجمة عن
اليونانية أيضًا كتاب (المجسطي) لبطليموس في علم الفلك وحركات النجوم، وكان
ذلك في العصر العباسي
صناعة الأزياج
وقد نبغ المسلمون في عمل الأزياج لحساب الأجرام السماويَّة، وهي من
أهمِّ مستلزمات الرصد الفلكي، والزِّيج عبارة عن جداول رياضية عددية، تحدِّد مواضع
الكواكب السيَّارة في أفلاكها، وقواعد معرفة الشهور والأيَّام والتواريخ
الماضيَّة، والوقوف على أوضاع الكواكب من حيث الارتفاع، والانخفاض، والميول،
والحركات، وتعتمد هذه الجداول على قواعد حسابيَّة وقوانين عدديَّة في منتهى
الدقَّة، ومن أشهر الأزياج زِيجُ ابن يونس لعلي بن عبد الرحمن بن يونس.
ثانيا : إسهامات العلماء العرب والمسلمين في علوم الرياضيات :
كان القرنان الثالث والرابع الهجريان / التاسع والعاشر الميلاديان
القرنين الذهبيين لعلماء الرياضيات المسلمين
، الذين يدين لهم العالم بالكثير، لحفظهم التراث العلمي القديم وتوسيعه
ولابتكاراتهم الجديدة، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تفتقر إلى الإبداع العلمي في
هذا الجانب، وتسعى للاستفادة من التقدم العلمي الذي سبقهم إليه العرب المسلمون
أشواطاً كثيرةً، وحتى الرياضيات الإغريقية
لم تصل للعالم المعاصر إلا عن طريق العلماء العرب المسلمين،
حيث اعتمدت الترجمات اللاتينية القديمة الإغريقية على مؤلفات إسلامية أكثر من
اعتمادها على المؤلفات الإغريقية الأصلية، ونتيجة لهذا انتقل الحساب والفلك
الإغريقيان إلى أوروبا بواسطة المسلمين، ولم تقتصر خدمة المسلمين لعلم الرياضيات على حفظ ونقل ما قامت به الأمم السابقة، بل
كانت لهم إسهامات هائلة في دقائق وجزيئات هذا العلم.
إن تاريخ الرياضيات في
الحقيقة هو الهيكل الرئيس لتاريخ الحضارة، سواء كان الاهتمام بالناحية الفلسفية أو
الاجتماعية، ويعد تاريخ الرياضيات
حجر الأساس للبناء التعليمي بأكمله، ويقول رام لاندو: "إن المسلمين قدموا
كثيراً من الابتكارات في حقل الرياضيات، ومع ذلك فإن معظم الأمريكان والأوروبيين لم يعودوا يتذكرون
من أي مخزن اكتسب العالم المسيحي الأدوات التي لا يمكن أن تصل الحضارة الغربية إلى
مستواها الحالي إلا بها". ويقول توفيق الطويل في شهادة أخرى حول دور العرب في
العلوم وفضلهم على الحضارة: "حقيقةً إن العرب قد تلقوا تراث أسلافهم من
الرياضيين في مصر والعراق والهند واليونان، ولكن الرياضيات تدين بشطر كبير من تقدمها لعلماء العرب، بل
إن مؤرخي العلم من
الغربيين من يجاهر بأن بعض فروع الرياضيات اختراع
عربي".
لقد أبدى العلماء العرب
والمسلمون اهتماماً بالغاً بعلم الرياضيات بفروعه المختلفة، وركزوا في دراستهم لهذا العلم على
اتجاهين: الأول: الناحية النظرية: وذلك باستيعاب الموضوع وفهمه، ومن ثم القيام
بالعديد من الابتكارات الجديدة التي لم يسبقهم إليها أحد. الثاني : الناحية
التطبيقية : حيث بدءوا بإجراء دراسات عملية مفيدة للغاية في العلوم الأخرى ذات
الارتباط المباشر بعلم الرياضيات مثل علم الفلك
والهندسة الميكانيكية والكهربائية والمعمارية، وعلم المواريث، والأعمال التجارية وغيرها من
العلوم والأعمال التي تتطلب معرفة بعلم الرياضيات، وكان علم الرياضيات في بداياته شاملاً لكثير من الاختصاصات
كالفيزياء وعلم الفلك
والتنجيم ([3])، ويذكر أن أهم تطور في علم الرياضيات قد استند إلى أسس ثابتة منطقية منذ عصر إقليدس الذي أبدع في الحساب وعلم الهندسة
وحتى وصوله إلى المرحلة التي وضعت فيها أسسه وقواعده وأطره، وفي هذه الدراسة يتم
تناول كافة العلوم العلمية والنظرية التي كان للعلماء العرب والمسلمين بصمات
واضحة فيها ذكرها التاريخ لهم كإبداعات متقدمة ومميزة (Mathematicians)
محمد بن
موسى الخوارزمـــي
برع الخوارزمي في العديد من العلوم، وترك آثاراً علمية قيمة في الرياضيات والفلك
والجغرافيا وغيرها من العلوم، وشهرته الحقيقية فيعلم الرياضيات وفي الجبر خاصة، ومن أشهر مؤلفاته:
- كتاب الزيج الأول: ويعنى بعلم الفلك، والزيج كلمة فارسية يصطلح بها على
جداول النجوم وحركاتها. وكتاب الزيج الثاني، وكتاب الرخامة، والرخامة قطعة من
الرخام مخططة تساعد على معرفة الوقت عن طريق الشمس .
- كتاب عمل
الإسطرلاب (الاصطرلاب): صورة الأرض،كتاب رسم الربع المعمور من الأرض، كتاب تقويم
البلدان في الجغرافية أيضاً، شرح فيه آراء بطليموس، كتاب التاريخ، وقد وضعه باللغة
الفارسية، كتاب الجمع والتفريق ([5])، أما اشهر كتبه وأهمها فهو كتاب الجبر
والمقابلة، وقد قال في مقدمته: قد شجعني الإمام المأمون أمير المؤمنين… على أن
ألّفتُ من حساب الجبر والمقابلة كتاباً مختصراً حاصراً للطيف الحساب وجليله لما
يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم، وفي مقاسمتهم وأحكامهم
وتجاراتهم، وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكرْي الأنهار (توسيع
مجراها وتنظيفها) والهندسة، وغير ذلك من وجوهه وفنونه ([6]) ويبدو أن هذا الكتاب
المطبوع باسم الجبر والمقابلة إنما هو اختصار لكتاب أوسع، فقد اختصره ليكون في
متناول الناس في أعمالهم التجارية، ثم إن هذه النسخة المختصرة ليست نسخة المؤلف
الأصلية، بل هي نسخة ترجع إلى التاسع عشر في المحرم من سنة 743هـ-24/6/1342م، أي
بعد وفاة الخوارزمي بخمسمائة سنة ([7]).
د- مآثر الخوارزمي في علم الرياضيات وعلم الجبر:
ومما يدل على عبقرية الخوارزمي وطول باعه في علم الجبر، أن هذا العلم بقي ما يقرب من ثلاثة قرون لم يتطور أو
يتقدم خطوةً ملموسةً بعده، وظل كتابه الجبر والمقابلة نصاً هاماً تستقي منه
الجامعات الأوروبية على الدوام، فكان له تأثير كبير على أوروبا، وأظهر الخوارزمي
في هذا الكتاب أنه عالم رياضي قدير، ترك أثراً عظيماً في الأجيال المتتالية، وأخذ
تراثه العلمي موقعاً جليلاً في خدمة الحضارة الإنسانية، وإذا كان الخوارزمي قد أخذ
الأرقام والصفر معاً عن الهنود، فإنه هو الذي استخدمها للمرة الأولى في العمليات
(المسائل) الحسابية، ودل الناس على طريقة استخدامها، ثم دَوّن العملية( المسألة)
الحسابية تدويناً أبرز فيه ترتيب الأعداد في مراتب (خانات أو درجات) معينة، حتى
تبرز الأعداد، ويصبح جمع الأرقام بعضها إلى بعض، أو طرحها أو ضربها أو قِسمتها
ممكناً سهلاً، ويُعتقد أن هذا العمل قام في ذهن الخوارزمي على إدراك واضح للنظام
العُشْريّ.
وكما تناول العرب الأرقام من الهنود (ونحن نُسميها إلى اليوم :
الأرقام الهندية)، فإن الخوارزمي هو الذي جعل لهذه الأرقام قيمة باستخدامها في
المسائل الحسابية. ولولا الخوارزمي لبقيت الأرقام الهندية – كما كانت عند
أصحابها الهنود – رموزاً مُفردة لا قيمة عملية لها. من أجل ذلك، لمّا تناول
الأوروبيون هذه الأرقام من كتب الخوارزمي العربي، سموها " الأرقام
العربية" وسموها أيضاً باسمه "ألغوروسموس". ثم تبدل هذا اللفظُ
كثيراً أو قليلاً باختلاف الأمم التي استعارته في لُغاتها،([11]) وشاع في الناس
حتى دخل في النثر والشعر.
والخوارزمي
عرف الأعداد السلبية وجعلها في المعادلة كالأعداد الإيجابية، مضروبةً في أعداد
إيجابية وفي أعداد سلبية (ومقسومةً ومقسوماً عليها) ومجموعةً إلى أعداد سلبية
(ومطروحة ومطروحاً منها)، ([14]) كما وضع القواعد لذلك.
وكذلك تنبّه الخوارزمي للكميات التخيلية، فقد قال: " واعلم أنك إذا
نصفت الأجذار في هذا الباب وضربتها في مثلها فكان ذلك أقل من الدراهم التي مع
المال فالمسألة مستحيلة([15]). وقد علق مصطفى مشرّفة ومحمّد مرسي أحمد على ذلك
فقالا: " تنبه الخوارزمي للحالة التي يستحيل فيها إيجاد قيمة حقيقية للمجهول،
فقال إن المسألة تكون في هذه الحالة مستحيلة ([16]) وقد بقي هذا اسمها بين علماء الرياضيات إلى
أواخر القرن الثامن عشر عندما بدأ البحث في الكميات التخيلية على أيدي كسبار فسل
وجان روبير أرجان". ([17]). "وهذا يطابق الحالة : ب
2- 4 أ ج > صفر، في
المعادلة أ س² + ب س + جـ = صفر، ففي هذه
الحال تكون الجذور وهمية أو تخيلية، أو نقول ليس لها جذور. "وللخوارزمي
معادلات لا تزال أمثلة تصلح للتعليم إلى اليوم ،
والجبر –
بما هو علم – علم عربي
أوجده الخوارزمي، ولكن لا بمعنى أن الجبر لم يكن معروفاً عن العرب وعند غير العرب،
بل بمعنى أن الخوارزمي جعل منه علماً منظماً. إن الخوارزمي قد خرج بالجبر من الحال التي عرفه فيها
اليونان والهنود، تلك الحال التي لم تكن تزيد على أنها وجه من أوجه الحل في الحساب
– من غير اسم لها خاص بها – إلى المعادلة العامة التي هي أم المعادلات كلها وأساس علم الجبر.
ثم إن الخوارزمي أخرج علم الجبر من
نطاق الأمثلة المفردة وجعل منه نظاماً آلياً ذا قواعد مقررة ثابتة إذا أنت حللت
بإحدى قواعده مسألة حسابية، فإن جميع المسائل المشابهة لتلك المسألة تجري مجراها
في الحل على تلك القاعدة.
ارتبط علم الفلك عند المسلمين بكثير من شعائر دينهم، فظهرت الحاجة إلى
دراسته لتحديد أوقات الصلاة بحسب الموقع الجغرافي والفصل الموسمي، وكذلك تحديد
اتجاه القبلة، ومتابعة حركة القمر لتحديد بدء الصوم، والحجِّ، وغير ذلك.
ثالثا : إسهامات المسلمين في العلوم الإنسانية :
العلوم المتداولة نعني بها العلوم الإنسانية والاجتماعية، فكانت هناك علوم كثيرة متداولة قبل الحضارة الإسلامية، عرفتها الشعوب المفتوحة
وغيرها، وقد كان للحضارات السابقة فيها آثار طيبة، انتفع بها المسلمون، واقتبسوا
منها ما يتناسب وعقيدتهم وثقافتهم، ثم كانت لهم الإضافات الباهرة التي تركت بصمتهم
على هذه العلوم وإلى اليوم،
معرفة المسلمين لعلم الفلسفة
علم الفلسفة لم يظهر ولم يعرفه المسلمون إلا بعد حركة الترجمة،
وبالتحديد في العصر العباسي الأول؛ وقد مهَّدَ لذلك وجود كتب فلاسفة
اليونان منتشرة في مناطق البحر الأبيض المتوسط بين
الإسكندرية وأنطاكية وحَرَّان، كان يُرَاسِل ملوك الروم -وهم
البيزنطيون- ليحصل على الكتب والمخطوطات، لا سيما كتب الفلسفة؛ إذ كانت
القسطنطينية -عاصمة الروم- تُعْرَفُ بمدينة الحكمةـ فبعث إليه الروم بكتب
الفلسفة وغيرها. كما استجاب للمأمون مهرة التراجمة، فقاموا بتعريبها، أو نقلها
بنصوصها عن طريق الترجمات السريانية؛ إذ إن السريان قبل مجيء المسلمين كانوا قد
ترجموا كتبًا كثيرة في الفلسفة اليونانية، وقد كان من أشهر مترجميهم:
سرجيوس وسفرونيوس وسويرس
إسهامات علماء المسلمين في تطوير الفلسفة:
وقد تجلت إسهامات علماء المسلمين الواضحة في علم الفلسفة وتطويرها في
تفنيد ما في كتب ومؤلَّفات اليونان من معلومات، وتصحيح ما فيها من أخطاء،
والربط بين ما جاء في أطرافها من معارف متناثرة وشذرات متباعدة، وإضافة شروح وافية
لها، ثم إضافة الجديد من المعلومات التي تَوَصَّل إليها علماء المسلمين ولم يعرفها
غيرهم من السابقين، فكان أن تَعَدَّدَتْ جوانب التفكير الفلسفي في الإسلام، وكان
من أهمها: علم الكلام، والتصوف، والفلسفة الإسلامية الخالصة، وهذه نُبذة مختصرة من
كل منها.
1-علم الكلام : يعدُّ هذا العلم باكورة من
بواكير العقلية الإسلامية، وهو كما يعرفه ابن خلدون: "علم يتضمن الحجاج عن العقائد
الإيمانية بالأدلة العقلية، والردّ على المبتدعة المنحرفين". وهذا العلم يعتبر خالصًا للمسلمين؛ على الأقل في
نشأته، فقد نشأ من أجل الدفاع عن العقائد الدينية وتفسيرها أو تأويلها تأويلاً
عقليًّا عندما ظهر الضلال والزندقة، ومن خلال هذا العلم ظهرت المذاهب الفلسفية
الكبرى، وظهر عمل المسلمين الباهر في تفسير الكون واكتشاف القوانين الطبيعية،
وتوصلهم إلى مفهوم للوجود والحركة والعلة، يخالف مفهوم اليونان ويسبقون به
مفكري أوربا المحدثين وفلاسفتهم.
2- التصوف : يعتبر التصوف ميدانًا من ميادين
التفكير الفلسفي الإسلامي؛ لأنه وإن كان في جوهره تجربة روحية يعانيها الصوفي، فإن
الفكر يمتزج بالواقع، والعلم يمتزج بالعمل في هذه التجربة، وهو بذلك ليس فلسفة
خالصة تهتم بالبحث العقلي النظري في طبيعة الوجود بقصد الوصول إلى نظرية
ميتافيزيقية متكاملة وخالية من التناقض،
3- الفلسفة الخالصة : وهي فلسفة الذين أعجبوا بالفلسفة اليونانية
وعكفوا على دراستها وشرحها وتحليلها وألفوا على نمطها، من أمثال:
الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن باجة وابن طفيل.. هذه
الثُلَّة من الفلاسفة المسلمين الذين كانوا منارة استضاءت بها الدنيا والحضارة
الغربية.
أشهر فلاسفة المسلمين : الكندي ب- الفارابي ج- ابن سينا د- ابن رشد :
ويمكن تبين أثر الفلسفة الإسلامية من الناحية الموضوعية في أنها أثارت
في أوربا موضوعات ومشكلات كثيرة نالت اهتمامًا في الجامعات والمعاهد، ودارت
حولها بحوث ودراسات، وعالجتها كتب ومؤلفات، وشغلت البيئات الثقافية على اختلافها،
من ذلك موضوع النفس وحقيقتها، ونظرية المعرفة، ومشكلة قِدم العالم، ونظرية الفيض
أو الصدور، وصفات الباري، ومشكلة العناية الإلهية، والخير والشر، ومشكلة الوجود
والماهية أو الممكن والواجب، إلى آخر هذه المسائل.
0 تعليقات