إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا

صحة البدن

البدن يشكل البعد المادي للإنسان في الحياة الدنيا، وأنه وسيلة للوصول بالإنسان إلى مراتب الكمال، وبدونه تبقى النفس عاجزة عن الوصول إلى مبتغاها وغايتها. ولهذا فإن المحافظة على البدن محافظة على النفس والإنسان، فإن فقدان أي حاسة من حواس الإنسان الظاهرية الخمس، سيؤثر سلبًا على معرفة الإنسان الكلية، المتعلقة بتلك الحاسة، لأن من يفقد حاسة البصر مثلاً لا يمكنه إدراك الألوان، مهما جهدنا في توصيفها له، ولهذا فإن إدراكه لها لا يرقى إلى مستوى الواقعية والمباشرة، بل يبقى أسير التوصيف والمقاربة الخارجية فقط، ولهذا قيل بأن من فَقَدَ حسًا فَقَدَ علمًا.
إن الوصول إلى الكمال وتحصيل السعادة الحقيقية متوقف على العلم والمعرفة، وهذا من البديهيات التي لا جدال فيها ولا نقاش، ولهذا أكثر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من الحث على تحصيل العلم، حتى حصر خشية الله تعالى بالعلماء دون سواهم، فقال تعالى(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، حيث إن غيرهم يسيرون على غير هدى ويخبطون خبط عشواء.

وهذا يعني أن على الإنسان، في سيره التكاملي وسعيه نحو الله تعالى، لا بد وأن يبقى مسلحًا بكافة ألوان المعرفة، وهو يقتضي المحافظة على آلاتها ووسائلها، والتي هي الحواس الخمس الظاهرة، ليتمكن من خلالها من الولوج في كافة الفروع المعرفية، التي تحقق له الغاية المنشودة وهي الاتصال واللقاء المطلق بالله تعالى.
إن هذه المعرفة المتكاملة تستلزم المحافظة على النفس النباتية، والتي فيها نمو الإنسان الجسدي وتحصيله القدرة والكمالات البدنية، وكذلك النفس الحيوانية التي فيها نمو الإنسان على مستوى الحواس الخمس الظاهرة.
وهاتان النفسان هما اللتان تشكلان البعد المادي والجسدي للإنسان، كما بيّنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديثه المتقدم لكميل بن زياد النخعي.
فإن هاتين النفسين هما المدخل الطبيعي للكمال الروحي والنفسي للإنسان، وإذا كان كماله موقوفًا عليهما، بكافة قواهما وخواصهما، فإن الوصول إلى الكمال موقوف على المحافظة على كل قوة من قواهما، وخاصية من خواصهما كما تقدم.
ولازم ذلك أن لكل قوة وخاصية من قوى النفس -أي النفوس الأربعة المذكورة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)- حقوقًا يجب على الإنسان مراعاتها والمحافظة عليها، وهو مسؤول بشكل مباشر عن كل ما يتعلق بها من آثار إيجابية أو سلبية في حياته الدنيا، لأن كل ذلك يؤثر عليه في عاجله وآجله على حد سواء.


حقوق البدن
لقد أولى الإسلام أهمية خاصة لصحة البدن وسلامته، وجعل المحافظة عليه واجبًا شرعيًا، ولا يجوز إهماله والتهاون فيه، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لبعض أصحابه، الذي أهمل بدنه وترك الاهتمام بشأنه: "يا عدي نفسه إن لبدنك عليك حقا"(

وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه عندما شكى له العلاء بن زياد الحارثي أخاه عاصم، لأنه لبس العباءة وتخلى عن الدنيا،: عليّ به، فلما جاء قال له: يا عدي نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك وولدك. أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها"(.


وعنه (عليه السلام) في جواب مسائل محمد بن سنان، كتب: "حرمت الميتة لما فيها من إفساد الأبدان والآفة...( 

هذا جزء يسير من الأحاديث الكثيرة التي تُبيّن أهمية البدن ووجوب المحافظة عليه، بل إن ملاك الحلال والحرام، بحسب هذه الروايات وغيرها، دائر على العموم مدار صحة البدن وسلامته ومرضه وسقمه.
وأما الروايات الشريفة، التي تتحدث عن ضرورة المحافظة على كل عضو من أعضاء البدن، والتي تبين كيفية ذلك، فخارجة عن حد الحصر والإحصاء.