إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا
الحي اللاثيني القسم الثالث :
في بيروت يلتقي الشاب بأهله وأصدقائه ويجدهم جميعا بخير وكذلك أمه التي راودتها شكوك أن ولدها لم يعد كما في السابق متعلق بوطنه وبأسرته، فتعمل على إقناعه بترك جانين والإلتفات إلى أن هذه الفتاة المغربة من الأسرة والتي تجد فيها أمة خير شريكة له، ولذلك حاولت أن تنتهيه عن جانين، ولما طال الوقت في إجازته أرسلت إليه خلالها جانين عدة رسائل وبطاقات بريدية جميعا خضعت لرقابة أمه.
ولكن تلك الرسالة الأخيرة التي وصلت لعبت دورا قاسيا في حياته، وقد أخبرته جانين أنها حامل وأنه والد الجنين، وتقترح عليه أن يقول رأيه في الإحتفاظ بالجنين أو إجهاده، هنا كانت الوالدة بالمرصاد مؤكدة له أن الوالد قد يكون شخصا آخر، وخاصة أنهما كانت مخطوبة سابقا والأفضل لها أن تنسى هذه القصة وتدعه وشأنه.
فكتب إلى جانين رسالة جافة تحت تأثيروالدته عليه يخبرها فيها أنه غير متأثر بنبأ حملها وليس لديه أية نصيحة او إشارة واتتصرف كما تشاء.
كانت الرسالة تخليا واضحا عن جانين ومشكلاتها، ولم يشعر أنه ارتكب عملا لا أخلاقيا إلا بعدما ماجاءت رسالة من صديقه السوري فؤاد ولو شخص موتوق به يكن له حبا وتقديرا لجيران يعلنه فيها أن جانين قد أجهضت وأنها اختفت من الحياة العامة بعدما كانت الأمرين في المستشفى وحمله فؤاد لو ما شديدا لإنسحابه من حب جانين وقد كان حبا نقيا عذبا وهي تكن له مشاعر راقية ولكنه خدعها وتركها يائسة .
ليتخذ الشاب قراره ويعود إلى باريس لإستكمال دراسته ولكنه لايلتقي بجانين .؟؟؟؟ كلياني حياة الدراسة وكأن حياته قد تبدلت ويريد بطريقة سريعة الحصول على إجازة ومن ثم العودة إلى بيروت لبناء حياة مستقلة .
ولم يكن يدور في خلده أن يلتقي بجانين أبدا، غير أن صديقا مشتركا أخبره ذات يوم أن جانين تتردد على مقهى صمعته رديئة، قد هب برفقة ذلك الصديق وظل ينتظم فترة هناك، وكان المقهى رخيصا ومبتدلا جدا ورواه من الركاع وهناك شاهدها، لم تكن جانين التي يعرفها كانت حطام إمرأة فحاولت الهرب منه إلا أنه تبعها إلى أن وصلت إلى شقتها الحقيرة وكانت مجرد غرفة واحدة أثاتها وهوائها فاسد فأعطته جانين دفتر مذكراتها، وأخذ يقرأ فيه كل التفاصيل فوجد نفسه في كل سطر وكل فاصلة، ولم تكن حياة هاته الفتاة سوى البراءة والطهارة ولم يكن سواه والد الجنين الذي أجهضته فشعر بالندم الشديد واتخذ قراره بالعودة إليها ثانية وبالزواج منها طالبا غرض الحائط بكل تقاليد الشرط ونذرة المجتمع، فإنهارت بين دراعيه فراحت تبكي، وانطلق الشاب ليهئ لها ؟؟؟؟؟السفر للزواج في بلده وراح ينتظرها في الفندق ولكنها لم تأتي، ولما طال إنتظاره سأل عنها في المقهى، وكذلك ذهب إلى شقتها فلم يجد أحد. لقد رحلت تاركة له رسالة تحثه فيها على متابعة الدراسة والتفوق، فهو في القمة وهي في القاع، وختمتها بعبارة مؤثرة عد أنت ياحبيبي العادي إلى شرقك البعيد الذي ينتظرك، ويحتاج إلى شبابك ونضالك.
يعود الشاب إلى لبنان ليتخذ موقفا أشارت به عليه جانين أجاب به على سؤال أمه : لقد انتهينا الآن يابني أليس كذلك ؟ فأجابها جلى الآن نبدأ يا أمي .
تلخيص ثاني : الحي اللاثيني القسم الثالث
وبعد وصوله إلى بيروت، أحس البطل بالغربة والملل والضيق بسبب ابتعاده عن باريس وحبيبته جانين التي كانت ترسل إليه عدة رسائل وكان آخرها تخبره بأن له ابنا وهو جنين في بطنه وعليه أن يحسم في اختياره وأن يحدد مصير علاقتهما. وتحت ضغوطات أمه وأخته، اضطر البطل أن ينكر هذا المولود الذي قد يكون ثمرة علاقات مشبوهة مع الآخرين ولاسيما خطيبها هنري الذي فض بكارتها في بداية الأمر. ولكن جنين اتخذت موقفا نزولا عند رغبة عشيقها فأجرت عملية جراحية لإسقاط الجنين، وعانت في ذلك المرارة والألم الشديد وتغيرت صحتها وأصبحت بعد ذلك فقيرة معدمة ليس لها من يعيلها ولا عمل يساعدها على مواجهة أعباء الحياة مادامت لم تسطع الحصول على شهادة في معهد الصحافة الذي كانت تدرس فيه.
وعندما عاد بطل الحي اللاتيني إلى باريس، وبخه فؤاد لأنه لم يلتزم بالحرية ولم يكن في مستوى المسؤولية، كما عاتبته مذكرات جانين ورسائلها التي اعتبرت نفسها فيها عائقا كبيرا أمام طموح هذا الشرقي الذي ظفر بشهادة الدكتوراه ، وبحبها الصادق الذي ضحت من أجله لكي يدوم ويثمر ويبقى حيا طوال حياتهما. واستلقت جانين في كهف سان جيرمان لمعانقة أفكار سارتر في التحرر من المسؤولية والانسياق وراء الاختيار الوجودي والبحث عن المصير الإنساني المفضل. لقد أصبحت شخصية وجودية فقدت الثقة في القيم والإنسان ومعايير الحياة التي يقننها العقل والمنطق.
لم يستطع البطل أن ينسلخ عن شرقه وجذوره وما نشأ عليه من أعراف وتقاليد، وقد استوعبت جانين هذا الاختلاف الحضاري جيدا على الرغم من أن عشيقها قرر أن يتزوج منها بعد أن عاتبه ضميره الحي وأراد أن يقتاد بفؤاد وأن يكون مسؤولا وملتزما بدوره الوجودي. إنه صراع بين القيم الروحية والقيم المادية، صراع بين الدين والإلحاد، وصراع بين الأخلاق والإباحية، وصراع بين الرجولة الشرقية والأنوثة الغربية، وقد يعكس هذا الصراع التفاوت الحضاري بين غرب التقدم والتكنولوجيا والعلم وشرق التخلف والخرافات كما عكست ذلك رواية قنديل أم هاشم ورواية توفيق الحكيم: عصفور من الشرق. إذا، صدام اجتماعي وأخلاقي وحضاري، وهذا ما تعبر عنه جانين في مذكراته إلى فتاها الأسمر الشرقي بعد أن رفضت الزواج من فتاها بسبب القيود الاجتماعية والفكرية والعقائدية بين الشرق والغرب:" أنا الآن على يقين من أن اجتماعنا أمس، في غرفتي المسكينة، فرض علي فرضا أن أرد فكرة الاقتران بك. لقد اجتمعت أمس بإنسان لا أعرفه. بشاب أنكرته، وكأنني ما لقيته من قبل قط. كان شعوري بعد أن تركتني يا حبيبي. لقد استعدت ما حدثتني به عن المستقبل، وعن آمالك، وعن حياة الصراع الذي أنت مدعو إلى أن تعيشها في بلادك، فوجدت أن دنياك التي تحلم بها أوسع وأعظم من أن يستطيع الثبات فيها شخص ضعيف مثلي. إنك الآن تبدأ النضال، أما أنا فقد فرغت منه، ومات حس النضال في نفسي. لقد عجزت أن أقاوم أطول مما قاومت، فسقطت ضعيفة مهيضة الجناح...
أما أنت، فقد قرأت أمس في عينيك استعدادا طويلا، طويلا جدا للمقاومة والصراع. وقد كنت قرأت مثل ذلك في عيني صديقك العزيز فؤاد، ولكن يخيل إلي أن الجذوة التي كانت تطل من ناظريك هي أشد التهابا وإشعاعا من جذوة فؤاد، تلك التي حدثتني عنها مرة في معرض الإعجاب. إنك إنسان جديد يعرف الذي يريده، ويسعى إليه بثقة وإيمان. لا يا حبيبي، لسنا على صعيد واحد. لقد وجدت أنت نفسك بينما أضعت أنا نفسي. فكيف تريدني أن أستطيع السير إلى جانبك، قدما واحدة، في الطريق الشاق الذي ستسلك؟ إنني لا أنتمي إلى جيلكم، جيل وجيل فؤاد وربيع وأحمد وصبحي وعدنان. لا، لن أذهب معك. إن بوسعي الآن أن أتمثل نفسي إذا رافقتك. ستجرجرني خلفك. سأعيق طموحك. سأعيق طموحك. سأكون أنا في السفح وتكون أنت في القمة. فامض قدما يا حبيبي، ولا تلتفت إلى ما وراءك. أما أنا فأستمد دائما من حبي لك، هذا الذي تصهره الآلام، وقودا يشع علي، فينسيني شقاء عيشي، وزادا أتبلغ به حتى أيامي الأخيرة. فدعني هنا أتابع طريقي حتى النهاية، وعد أنت يا حبيبي العربي إلى شرقك البعيد الذي ينتظرك، ويحتاج إلى شبابك ونضالك.- جانين."
وعاد الشرقي إلى بلده بشهادته المشرفة ليبدأ نضاله الوطني والقومي، ولتحقيق طموحاته وتطلعاته بين أحضان أسرته وشعبه وأمته.
0 تعليقات