إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا

العلم والتعليم.. أثرهما ومنزلتهما في الإسلام

العلم في الإسلام
التعليم في الإسلام

لقد انطلقت مسيرة التعليم والدراسة وفي أذهان كثير من الناس أن الدراسة والتعليم مرتبط بالصبيان والفتيان والغلمان، بل إن كثيرا من الناس في مجتمعنا من يستخف بحاملي المحفظات والكراسات، والقاصدين إلى المدارس والجامعات، والمقبلين على الحِلَق والدروس في المساجد وغيرها من مراكز التعليم والدراسات، فتجد من يقول وهو يريد الاستخفاف والاستهزاء: ما زلت مع الدراسة؟ ماذا فعل أصحاب الشهادات؟ إلى غير ذلك من الجمل المعروفة، هكذا آل الحال بأهل الإسلام، أن في أخذ العلم مضيعة للوقت، وصل أمر المسلمين في أمر العلم إلى الاستهزاء بطالب المعرفة وانتقاص التعلُّم والتعليم والمعلم.

إنّ العلم أساس كل عبادة؛ فلا يمكن أن نصلي دون أن نتعلم، فالصلاة تحتاج إلى عالم يعلمنا كيف صلى رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن نصوم من دون علم أيضا، فلا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا جهاد ولا حج دون علم؛ فالعلم هو الأساس؛ ولذلك كان أوّل ما نزل به الوحي على نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الأمر بأخذ العلم، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} العلق:1-5، فالعلم واجب أخذه وطلبه، يستوي في ذلك الصغير والكبير، والذكر والأنثى، إذ لا استغناء لأحد عن العلم، لذلك قال العلماء: لا يجوز الإقدام على عمل حتّى يُعلم حُكم الشرع فيه. 

وإنّ من مزايا الدين أنه فضل العلم وكرم أهله، فقد جعل لهم يوما يتعظون فيه ويتذكروا، ويتعلمون ما يصلح دينهم وكيف يتعاملوا في أمر دنياهم، وللحاضرين يوم الجمعة من الثواب والأجر ما يعلمه الناس.

فمِن فضل الإسلام علينا في مجال العلم أن جعل الحضور يوم الجمعة إجباريا، والإنصات للخطبة أمرا تعبديا، وهذه الساعة الأسبوعية أقل شيء ليتعلم الجاهل، ويستذكر المتعلم، ويتفقّه المتعبد، ويهتدي المتردد، ويستقيم المنحرف، ويسترشد الحيران.

فالإسلام يعظم شأن العلم وشأن طالبه، فعلى أمة الإسلام أن ترفع قدر العلم وأهله، وعلى المسلمين أن يدركوا عظيم ما أخطأوا فيه لما أهانوا العلم ورواده، حتّى صار العالِم يُسجن لعِلْمه ولعمله بما يعلم في بلاد الإسلام.

لمّا كان الإسلام يطبق على أرض الواقع حقيقةً لا شعارا كنا أعز الأمم وأقواها وأشرفها، وكان الأعداء يغيرون على أمة الإسلام بكل ما أُوتوا من قوة، ومع ذلك ينهزمون شرّ هزيمة، فلم يجدوا من قوّة يتغلبون بها على المسلمين إلا العلم فأخذوا به، ولم يكتفوا بذلك بل زرعوا فينا الجهل والنُفرَة من العلم تكريسًا للضعف وإبقاء على أسباب التخلّف والهزيمة، وحتّى لا تقوم للمسلمين قاىمة زرعوا فينا أنّ طلب العلم لا يكون إلّا في أمور شرعية، بل وأكّدوا لنا على المسائل الّتي ينبغي أن يختلف فيها المسلمون ولا يتجاوزونها، وهي مسائل الوضوء والجنابة، وكأنّ الحضارة الاسلاميّة لم تكن حضارة علميّة راسخة الأسس، وطيدة البنيان، ضربت في كلّ العلوم بحظّ وافرٍ. 

إن التعليم وطلب العلم ورفع شأنه هو المنطلق الأول لتستقيم الحياة الإنسانية، ولا يتضعضع الوضع الاجتماعي ولا تنحطّ أمة من الأمم إلا من التفريط في العلم وطلبه وفي أهله، وإن نبيّنا عليه الصلاة والسّلام لما بعث في هذه الأمة التي كانت معدومة بعث بالعلم، وبُعث معلّمًا فأحياها، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} الجمعة:2، وقال عليه الصّلاة والسّلام عن نفسه: ”إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا” رواه مسلم، وكان الواحد من أصحابه إذ يتعلم من رسول الله يقول: بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ. 

ولأهمية التعليم أرسل رسول الله الصحابة في النّاس معلمين ومجاهدين وصلوا إلى أقصى ما أمكنهم الوصول إليه. وللأسف فإنّ الشعوب المسلمة خصوصًا العرب منهم اهتمَّت اليوم بأعراض من الدّنيا لا تسمن ولا تغني، وتركتِ العلم؛ فوقعت في مستنقع الرذيلة والجهل؛ فوصلوا إلى مرحلة متأخرة يصعب العودة منها إلّا بنور العلم، والُمحزن أن المسلمين اهتموا بتعليم أولادهم علوم الدّنيا على حساب العلم الشرعي الذي به تستقيم الحياة؛ وهذا لا يعني ألا نهتم بعلوم الدّنيا، بل الأولى أن نهتم بالعلم الشرعي الذي يلزمنا بالعلم الدنيوي؛ فإن لم يكن بالإمكان فبهما معا بالتوازي، ومما زاد الطين بلة وجعل المسلمين في غياهِب الظلمات لما نجدُهم يرفعون الفساق فوق الأعناق، ويقدرون نجوم الكرة والألعاب، بينما يُهينون المعلم والطبيب والأستاذ، حتى إذا جئت إلى أمنيات الصغار وبعض الكبار وجدته يتمنّى أن يكون مثل الممثل واللاعب والراقص؛ وهي إجابة تؤكد على أننا بالقول والفعل في مؤخرة الركب. 

روي أن رجلا رأى الإمام أحمد ومعه مِحبرة فقال له: يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، ومعك المِحبرة تحملها؟ فقال: مع المَحبرة إلى المَقبرة. 

لقد فهم السّلف أن فترة التعلّم ليست محدودة، فكانوا يأخذون من العلم ما كان فيهم عِرق ينبض، لا تُقعدهم الشيخوخة، ولا سن الكهولة، ولا بمُجرد أن يحصل أحدهم على فن من الفنون أو علم من العلوم، بل كانوا دوما يستزيدون، كان لهم فهم ووعي أن المبدأ في العلم والتعلّم الاستمراريةُ والمداومةُ دون كلل أو ملل، وهذا المبدأ طبقه الغرب على أنفسهم، وطبقنا على أنفسنا: البركة في القليل، فصار الواحد إذا تعلم شيئا اكتفى به، إن لم يكن سببا في تعاظُمه وتكبُّره. 
27 سبتمبر 2018 - الشّيخ بشير شارف إمام مسجد 

عن موقع:
kaheel7.com