إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا

العولمة و الهوية :

مفهوم العولمة والهوية
العولمة والهوية العربية الاسلامية؟

ماهي العولمة؟
 إذا كانت العولمة "هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف هذا القرن تقريبا إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل و التوزيع والسوق والتجارة والتداول إلى عالمية دائرة الإنتاج، و إعادة الإنتاج ذاتها ".و هذا المفهوم يستلزم عولمة التنميط الاجتماعي والثقافي والسياسي تبعا لعولمة دائرة الإنتاج. وإعادة الإنتاج تلك في إطار سيطرة الرأسمال العالمي الموجه من قبل الشركات العابرة للقارات التي يتناقض وجودها مع الأنماط الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والسياسية التي تجسدها الهويات المحلية، ولذلك :

فإن الهوية هي كل المقومات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية المجسدة للخصوصية المحلية التي يمكن أن :
أ- تندرج في إطار العولمة بحكم التبعية و القبول بتعليمات المؤسسات المالية الاحتكارية الدولية، كصندوق النقد الدولي، و البنك الدولي، و منظمة التجارة العالمية، التي تملي على البلدان التابعة ما تتبعه في سياستها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية.
ب- أو أن تكون جزءا منها بحكم الاندماج الكلي و الذوبان في النظام الرأسمالي العالمي و الارتباط المطلق بمؤسساته، و اعتبار المصير واحدا.
ج- أو تقع فريسة لها، فتحتويها العولمة و تفرض عليها الذوبان فيها رغما عنها.
د- أو تدخل في صراع معها، و تعمل على تنظيم مناهضتها بحكم التناقض الحاصل بينهما.

و تتحدد الهوية في مجموعة من المقومات الأساسية المتجسدة في :
أ- اللغة الوطنية، و اللهجات المحلية المرتبطة بوجود شعب ما، و تطوره، و مصيره على أساس أن تكون اللغة الوطنية معتمدة في التدريس على جميع المستويات، و في التسيير الإداري، و في القضاء، إضافة إلى التواصل بين شرائح المجتمع إلى جانب اللهجات المحلية.
ب- القيم الدينية و الوطنية المتكونة عبر العصور، و التي تكسب الشعب حامل الهوية حصانة تحول دون ذوبانه في شعوب أخرى.
ج- العادات و التقاليد و الأعراف النابعة من تلك القيم و الحاملة لها، و العاكسة لمستوى الشعب حامل الهوية الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي.
د- التاريخ النضالي الذي ينسجه ذلك الشعب –حامل الهوية- من اجل المحافظة على هويته أرضا و قيما، و عادات و تقاليد و أعرافا.

الهوية لا تبقى مفصولة عما يجري في العالم، فهي تدخل مباشرة في تفاعل مع ما هو إقليمي و قومي و عالمي، وخاصة في هذا العصر الذي أصبح كل شيء حاضرا معنا و قريبا منا. و تزداد درجة التفاعل تلك بارتفاع المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي للشعب حامل الهوية. و تبعا لذلك فالهوية لا تنجو من التأثر بالعولمة :
أ- على مستوى اللغات و اللهجات التي ستتراجع أمام اللغات الحية المعتبرة في تدريس الآداب و العلوم و الفنون و التقنيات و بقية المعارف الأخرى، ما لم تكن اللغة المعبرة عن الهوية إحدى تلك اللغات الحية، و تحتل إلى جانبها صدارة التطور.
ب- على مستوى القيم الدينية و الوطنية التي ستكون مهددة بقيم وافدة لا تقوى القيم المحلية على الصمود أمامها.
ج- على مستوى العادات و التقاليد و الأعراف التي قد تحل محلها عادات و تقاليد و أعراف وافدة لا علاقة لها بالهوية المحلية.
د- على مستوى التاريخ النضالي للشعب حامل الهوية الذي قد يتعرض للتشويه الممنهج، و بدل أن يبقى مفخرة للشعب يتحول بفعل ذلك إلى مذمة.

و بناء على تفاعل الهوية بقيم العولمة فإنه يطرح سؤال عن مصير الهوية أمام تحديات العولمة :
أ- على المستوى اللغوي نجد أن لغات العلوم و التقنيات على المستوى العالمي و الإعلامي ستخلق اهتماما خاصا بها، و ستجد اللغة المحلية نفسها تتدحرج إلى الخلف، معانية من الإهمال على جميع المستويات ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحمايتها و رفعها إلى مستوى اللغات الأكثر تداولا.
ب- و على مستوى القيم فإننا نجد أن القيم الجديدة الوافدة عبر وسائل الإعلام المختلفة و عبر التكنولوجيات المتطورة ستغطي على قيمنا المحلية، و سنجد أنفسنا ممسوخين، لا نملك القدرة على الصمود أمام الوافد من قيم الحداثة التي تمتد لتشمل كل مجالات الحياة ما لم يستنفر المجتمع لحماية قيمه الأصيلة، و العمل على تطويرها لتتناسب مع الواقع الجديد.
ج- أما العادات و التقاليد و الأعراف المعبرة عن أصالتنا فإنها قد تختفي أمام هذه المغريات الوافدة، و على جميع الأصعدة، مما يقلل من أهميتها، و العمل على احتقارها.

و لحماية الهوية من الذوبان و التلاشي لابد من :
أ- دعم الاقتصاد الوطني، و تحريره من التبعية، و رفع مستواه من اجل مواجهة الاقتصاد الوافد، و اعتماد اختيارات اقتصادية نقيضة للاقتصاد الرأسمالي العالمي.
ب- تطوير اللغة الوطنية و جعلها ترقى إلى مستوى استيعاب مستجدات العلوم و الآداب و التكنولوجيات المتطورة في مختلف المجالات.
ج- العمل على ترسيخ القيم الإيجابية في ممارسة الشعب حامل الهوية، و العمل على تطويرها و محاربة القيم السلبية التي لم تعد تتناسب مع تطور البشرية.
د- و نفس الشيء بالنسبة للعادات و التقاليد و الأعراف باعتبارها أوعية لتلك القيم، و معبرة عن الهوية، لأن تطورها اصبح مفروضا حتى نتجنب اضمحلالها.
ه- استحضار التاريخ النضالي للشعب حامل الهوية في البرامج الدراسية، و في وسائل الإعلام المختلفة و خاصة تلك الأكثر استهلاكا،كالقنوات الفضائية، و شبكة الانترنيت.

و يمكن العمل على حماية الهوية بتوظيف مختلف الوسائل المتوفرة حتى نتجنب الذوبان و الاندثار و أهمها :
أ- المؤسسات الاقتصادية الوطنية، و خاصة تلك التي في ملك الشعب حامل الهوية. و البرامج الدراسية في مختلف المؤسسات التعليمية.
ج- مراكز البحث العلمي المختلفة، و خاصة تلك التي لها علاقة بالمؤسسات المنتجة و بالجامعات في مختلف المؤسسات التعليمية.
د- وسائل الإعلام السمعية البصرية و المقروءة بما فيها شبكة الانترنيت.و المؤسسات الثقافية و المنظمات الجماهيرية و الهيئات السياسية و النقابية.
و تلعب مختلف الهيئات، و منظمات المجتمع دورا كبيرا في حماية الهوية :
أ- فنضال الأحزاب السياسية من اجل ديمقراطية حقيقية تضمن للشعب المساهمة الفعالة و إيجاد مؤسسات منتخبة انتخابا حرا و نزيها، سيرفع قيمة الشعب حامل الهوية.
ب- و سعي النقابات إلى تحسين أوضاع الشغيلة في مختلف القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية، سيزيد الشغيلة إيمانا بهويتها. و سيحرك كل القطاعات كل في مجاله لحمايتها، و على جميع المستويات.
ج- و تلعب الجمعيات الحقوقية دورا كبيرا في تكريس عولمة أخرى لها علاقة بكرامة الإنسان و الشعوب عن طريق النضال من اجل حماية الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية باعتبارها مكرسة و مؤكدة للهوية، و صمام أمان يحمي الشعب من التنكر لهويته، فيتمسك بها و يناهض الوافد الذي يتعارض معها.
د- و تحرص الجمعيات الثقافية على تطوير الثقافة الوطنية الحاملة للقيم النبيلة التي تشد الشعب إلى الأرض التي خلق عليها.
ه- و تستميت الجمعيات التربوية من اجل تكريس تربية وطنية أصيلة و مناهضة ما لا يتناسب معها، و ربط النشء بحب الأرض، و حب الشعب، و استنطاق التاريخ و التشبع بالقيم الأصيلة للشعب حامل الهوية.
و- و يبقى الدور الأساسي للدولة التي يجب عليها، وانطلاقا من وطنيتها أن توفر الشروط الموضوعية لحماية الهوية.
و الخلاصة :
1) أن ما يجري الآن هو محاولة للقضاء على خصائص الشعوب في جميع أنحاء العالم لصالح الشركات العابرة للقارات، و ما يصحب ذلك من انتقال للقيم، وتشويه للثقافة المحلية، و طمس للعادات و التقاليد و الأعراف، و التقليص من أهمية اللغة الوطنية، و قتل اللهجات المحلية. و هو ما يساعد على القضاء على الهوية التي تميز شعبا من الشعوب. تلك الهوية التي تعتبر دافعا أساسيا لمقاومة ما يستهدف كيان ذلك الشعب.
2) و ما يجب عمله هو المحافظة على الخصائص المميزة للشعوب :
أ- دعم الاقتصاد الوطني، و تحريره من التبعية لمراكز الهيمنة الرأسمالية العالمية التي تقودها الشركات العابرة للقارات.
ب- الاهتمام بتطوير اللغة الوطنية و تشجيع البحث في اللهجات المحلية من اجل تطويرها كعامل من عوامل المحافظة على الهوية.
ج- دعم الثقافة الوطنية بمختلف مكوناتها، و تعبيراتها المختلفة.
د- التربية على حقوق الإنسان حتى نبني مجتمعا يتمتع أفراده بجميع الحقوق.
ه- التمرس على الديمقراطية الحقة باعتبارها مدخلا لحماية كرامة الإنسان المناهض للعولمة.
و بذلك نجد أنفسنا مضطرين لتكريس عولمة كرامة الإنسان كما جاء في القرءان الكريم في سورة الإسراء : "و لقد كرمنا بني آدم" صدق الله العظيم. و هو ما يجب أن تتظافر جميع الجهود من اجل تحقيقه، و حمايته أمام الشركات العابرة للقارات التي تستهدف موت الإنسان عن طريق تشييئه ليصبح مجرد مساهم، في مضاعفة أرباحها التي لا تتحقق إلا بإهدار كرامة الإنسان.
فهل نستطيع أمام هجمة العولمة الشرسة أن نحافظ على هويتنا ؟
إنه السؤال الذي يفرض نفسه، و للإجابة عليه نحتاج إلى إنسان من طينة أولئك المغاربة الذين قاوموا المحتل الأجنبي، و رفضوا التبعية إلى مراكز الهيمنة الأجنبية، و حافظوا على لغتنا الوطنية، و اعتمدوا عاداتنا و تقاليدنا و أعرافنا الحاملة للقيم الإيجابية الأصيلة، لتوحيد الشعب المغربي، و تأكيد هويته التي لا تتنافى مع البعد المغاربي، و العربي و العالمي و هو ما لا يعجز الشعب عن إنجابه.