إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا

     التوحيد عند اليمنيين



     في بداية هذا الفصل ذكرت الكاتبة بالفصل السابق و حول أهم القضايا التي تحدثت فيها عنه، ثم انتقلت للحديث عن قضية التوحيد التي رأت أنه يجب أن تخضع للنقاش اعتمادا على الوقائع التاريخية  التي ترى أن التوحيد الذي عرف في القديم هو التوحيد بإله مرئي متجسد في الكواكب الثلاثة وهي الشمس والقمر والزهرة، ثم تحول ذلك التوحيد إلى إله غيبي بعد الغزو والاحتلال الفارسي البيزنطي للمنطقة وبذلك ظهر الإله الغيبي لإعادة بناء الحضارة بعد تهدمها وإقامة الدولة العربية الإسلامية، وبذالك نرى أن التوحيد مر عبر مجموعة من المراحل إلى أن وصل إلى التوحيد بالله الواحد.
     وكما سبق الذكر فإن فكرة التوحيد بإله مرئي ظهرت كنتيجة لمجموعة من الظروف الاجتماعية التي حتمت ذلك ككثرة الحروب، كما أن هذه الفكرة كانت مرتبطة بفكرة التوحيد السياسية والاقتصادية بغض النظر إذا كان التوحيد مرئي أو مطلق والذي نعني به الله عند اليهود والمسلمين، كما أن ظهور فكرة التوحيد في اليمن كانت مرتبطة بعدة عوامل ولهذا لابد من طرح سؤال مفاده في أي ظرف تكونت ضرورة خلق فكرة التوحيد اللاهوتي؟
     رأت الكاتبة أن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب معرفة الأسباب التي دعتهم إلى اعتناق فكرة التوحيد والتي مثلت في إله معين "ود" وإله قتبان "عم" وإله الحضارمة "سين" وإله مملكة سبأ "المقه" وكل هذه التسميات تشير إلى الإله القمر رغم اختلافها، وبذلك نجد الإله القمر تمكن بفضل الإله المقه من أن يحقق التوحيد خصوصا وأن الإله المقه تمكن من أن يحصل على لقب الإله القومي في المنطقة اليمنية ومع ذلك فقد اشترك مع الآلهة الأخرى في ممارسة الوظائف.
     ومن خلال ما سبق يمكن القول أن الإله المقه يرجع له الفضل في بناء دولة اليمن بحيث قام بعدة أعمال كبناء السدود وتأمين الطرق التجارية وبذلك نجده ساعد على ازدهار اليمن اقتصاديا إذ أصبحت سبأ هي المتحكمة في التجارة العالمية وهذا الأمر انعكس إيجابيا على كل المجالات.
أسباب التوحيد:  
من أهم أسبابه العوامل الطبيعية.
أولا: العوامل الطبيعية:
تم تقسيمها كالآتي:
-       السهول: فهي عبارة عن سلسلة من الهضاب المرتفعة إذ على تربة اليمن يقع السهل الغربي الذي يسمى بسهل تهامة، أما السهل الشرقي فيمتد من الأحقاف إلى حدود جبال عمان.
-       الجبال اليمنية: تمتد من عمان في الجنوب الشرقي للأرض اليمنية وفي غرب اليمن نجد سلسلة الجبال وهي عموما تمتاز باعتدال هوائها، أما السلاسل الجبلية الشرقية فهي كثيرة الجفاف.
-       الأودية: هي ممتدة في جانبها نجد القرى والمدن، من أشهر الأودية في الجنوب نذكر وادي الشحر ووادي نعمان، و في شمال اليمن نجد أودية عديدة غير أنها ضيقة كوادي شعوب وفي جوارها عاش الإنسان اليمني.
-       الشريط الساحلي: امتد في الجنوب وفي الداخل توجد الصحراء وبها نجد الواحات كما تعرف هذه المنطقة بالملح الذي يوجد في صخورها ومن أشهر هذه الصخور الملحية نذكر ملح شبوة... وما نلاحظه هو أن الأرض اليمنية لديها تضاريس متنوعة بحاجة إلى قوة لإخضاعها فالجبل اليمني يمتاز بارتفاعاته الشاهقة التي منعت الإنسان من الزراعة وإن قام بذلك فالأمطار تهدر ما زرعه.
-       الصحراء : كانت تغطي مجمل الأراضي اليمنية والتي عاش الإنسان فيها معاناة كبيرة فكان لابد من البحث عن شيء يساعده على العيش فيها، وهذا الشيء تمثل في الإله القمر الذي رافق الإنسان في رحلاته التجارية وبدء حينها الإنسان اليمني يقدس الإله القمر.
ثانيا : الأوضاع الاقتصادية والتجارية:
     أشارت الكاتبة أن تاريخ الشرق هو تاريخ تطورات تجارية بالدرجة الأولى ولهذا نجد الشعوب الشرقية قد احتكرت التجارة ليس بشكل سلبي وإنما بشكل إيجابي ساعدها على نهضة الشعوب وكانت مصر هي أول من عرف نهضة تجارية وأصبحت بذلك إمبراطورية عظيمة، واستفادت فلسطين من هذا الأمر لأنها كانت مركز مرور البضائع بين مصر وآشورا وبعد ذلك أخذت فينيقيا مركز مصر التجاري غير أن ذلك لم يستمر طويلا لأن الأحوال اضطربت في شمال الجزيرة وبذلك انهارت مقومات الحضارة مرة أخرى وتحولت طرقها من الشمال إلى الجنوب وبذلك أصبحت اليمن هي التي تحتكر التجارة العالمية، خاصة وأنها اشتهرت بتجارة الترانزيت الذي استحوذت عليه سبأ مما أدى إلى ظهور حروب حول أحقية مملكة على أخرى إما من أجل الاستحواذ على أرض زراعية خصبة أو من أجل تأمين طريق قوافلها التجارية خصوصا وأن هذه القوافل تمر في أراضي جميع المماليك اليمنية ولذا كانت تريد كل مملكة تأمين طريقها إما عن طريق إقصاء إحدى المماليك أو التحالف معها، كما أن امتداد الطريق التجاري ابتداءا من قنا فرض وجود مملكة قوية تسيطر على تلك التجارة وإله جبار يساعدها في ذلك وهذه المملكة كانت هي سبأ.
     نلاحظ إذن أن التجارة تعتبر من أهم الركائز التي تقوم عليها الحضارة اليمنية وأن مملكة سبأ هي التي تحكمت فيها.
الأحوال الزراعية:
     لقد أكدت الكاتبة من خلال كتب التاريخ أن اقتصاد اليمن اعتمد أساسا على الزراعة والتجارة وفيما بعد على المعادن وهذا ساهم في تقدم الاقتصاد اليمني.
     إن الزراعة في المماليك اليمنية الخمس قامت على الري الاصطناعي ولتسهيل ذلك بنيت السدود وما له من شأن لإخضاع الطبيعة للإنسان خصوصا وأن الإنسان اليمني عاش في الصحراء، ومن بين تلك السدود نذكر سد مأرب، وبالإضافة إلى ذلك بنيت الأحواض الصغيرة فوق الجبال لتسقي المدرجات، وبذلك نجد أن الحضارة اليمنية انفردت بهاته الأدوات خصوصا وأنها حضارة تؤمن بالعمل وأعطت أهمية كبيرة للإنسان والطبيعة.
     وبالنسبة للثروة المعدنية كانت متنوعة إلا أنها مبعثرة فاستولت عليها فيما بعد سبأ بمساعدة إلهها المقه.
ثالثا : التزايد السكاني:
     لقد عرفت منطقة جنوب الجزيرة العربية تزايدا ديموغرافيا كبيرا بفضل تنوع البيئة الذي ساعد الإنسان على الاستقرار فانقسم الناس إلى فئات اجتماعية بسبب الاختلاف الذي كان بينهم والذي تجلى في التفاوت الاجتماعي، ومع أن الزيادة في عدد السكان كان له دور إيجابي في تطور الإنتاج الاجتماعي إلا أنه لم يخلو من المشاكل، فانقسام تلك الفئات الاجتماعية أدى إلى أن يصبح لكل جماعة إله خاص بها، وأمام هذا الوضع سارعت الدولة والملك للبحث عن حل لهذا المشكل فوجدوا أن الحل سيكون عن طريق التوحيد بالإله الأعظم ومع ذلك بقيت الآلهة الصغيرة حاضرة وتزايد عددها كلما انضافت فئة اجتماعية أخرى إلى المجتمع اليمني، غير أن هذا الحل خفف من حدة  أضرار ذلك المشكل سواء على المجتمع أو الدولة.
     ما يمكن قوله إذن هو أن الدين دائما كان هو الحل لكل المشاكل، فالدولة اليمنية اعتمدت عليه لتؤكد سلطتها السياسية خصوصا عندما أصبح الإله المقه هو الإله الأوحد في الأرض اليمنية بسبب عظمة ملوك سبأ.
رابعا التمزق السياسي:
     لقد تمثل التمزق السياسي في الجانب الاجتماعي بحيث كانت هناك صراعات بين القبائل وكمثال على ذلك نذكر مملكة جره وتبع التي أرادت الاستيلاء على مرتفعات من سبأ، كما نجد أن الملوك كانوا يفتخرون بما ألحقوه من هزائم ضد المملكة الأخرى وبالإضافة إلى ذلك أن هذه  الحروب كان من أسبابها الأطماع الاقتصادية فمملكة قتبان مثلا فرقت بين حضرموت ومعين وربحت من ذلك أنها أخذت مسافة واسعة من الصحراء والسهل وبعد فترة أزالت حضرموت بمساعدة سبأ قتبان من على خريطة جنوب الجزيرة قبل الميلاد وغيرها من الأحداث التي أكدت أن المصالح الاقتصادية  والسياسية هي الدافع الوحيد لنشوب تلك الحروب... ولو أن ملوك سبأ هم من بدءوا تلك الحروب ضد المماليك الأخرى وما يشهد على التمزق السياسي هي المدن التي مازالت محروقة حتى الآن في اليمن والذي يدل على أن القبائل والعشائر عانت كثيرا من الحروب في تلك الفترة.
     وفي الأخير نجد أن القبائل أيضا دخلت في صراع مع المماليك غير أن هذا التمزق انتهى عندما أقامت سبأ التوحيد اللاهوتي الذي أنهى تلك الصراعات.
خامسا : المساواة القبلية:
     ظهر هذا المصطلح ليحد من الفروقات التي كانت بين الشعب الغالب والشعب المغلوب ولن يتأتى نجاح هذا الأمر إلا بتبني فكرة التوحيد اللاهوتي، وقد ساعد هذا التوحيد على جمع الجماعات المغلوبة كأسرى حرب وهذا ما فعله ملوك سبأ من بينهم نذكر يثع أمرين الذي هاجم مملكة قتبان وجاء من بعده الملك كرب ايل وتر الذي هاجم أوسان وأدل رؤسائها وجعلهم كعبيد عنده ثم هاجم كحد وجعل كل من فيها حتى الأطفال غنيمة لسبأ ونفس الأمر حصل لقبائل مهامرم، لكن الملاحظ من هذه الهجمات أن سبأ كانت تركز على أسر الأطفال لكي يصبحوا فيما بعد من المقاتلين الأقوياء المنتمين لمملكة سبأ والمدافعين عنها باسم إلههم المقه وبعد كل هذه الإنجازات الحربية التي قام بها الملك السبئي أضاف إلى سيرته القيام بأعمال البناء والتصالح مع القتبانيين والذي جاء لسبب مهم وهو أن القبائل المغلوبة عرفت أن المساواة القبلية لن تحصل مع السبئيين إلا بعبادة الإله المقه ونبذ آلهة آبائهم وأجدادهم وهكذا أصبح الكل متساوين إذا حذفنا فقط الملك والكهنة والوسطاء الذين حصلوا على امتيازات أكبر.
سادسا نظام الحكم:
     أكدت الكاتبة أن حضارات الشرق لم تتعرف على النظام العبودي عكس أثينا وروما وأنها تعرفت على نظام آخر فرضه عليها المناخ، ومن بين دول الشرق نذكر اليمن التي لم تتعرف على الملكية الخاصة وبذلك يطرح سؤال : ما هو النظام الذي كان سائدا فيها؟
     لقد فرضت قسوة المناخ أن تكون الدولة هي المالك الوحيد للأرض والتي أقامت السدود وما له من إمكانية تسهيل الاستفادة من الأرض اليمنية التي كانت تعاني من الجفاف، وبذلك نجد أن اليمن انفردت بأسلوب الإنتاج الآسيوي عن باقي الدول الشرقية وأصبحت بذلك الدولة هي المتحكم في الأرض وانعدمت الملكية الإقطاعية الفردية وإن كانت فهي قليلة وهنا استغرب ماركس من وعي الناس بأنهم غير قادرين على تسيير الأرض وتفضيل إعطائها للدولة، ولم تهتم الدولة فقط بالزراعة وإنما اهتمت أيضا بالاقتصاد فربطت طرق التجارة اليمنية بجنوب الجزيرة وما إلى ذلـك...
     لقد قامت الحضارة اليمنية على السخرة  وهذا من شأنه أن يمكننا من معرفة نوعية نظام الحكم فيها فهناك العديد من المشاريع تتطلب تسخير جماعات لإنجازها، كما أن الملكية الفردية للأرض والتي كانت في الساحل التهامي كان نجاحها يتطلب نزول المطر أو رحمة الدولة عليهم وبذلك يمكن أن نطلق على أسلوب الإنتاج الآسيوي اسم "إقطاعية الدولة" فكل الصفات السابقة الذكر كالسخرة  والضرائب العينية تنطبق على هذا الأسلوب . 

وبذلك نخلص إلى أن نظام الحكم في اليمن قام على أسلوب الإنتاج الآسيوي والذي أكده انجلز والذي تحكمت به الدولة وقد ظهر هذا الأسلوب مرتبطا بالفكرة الدينية وهي التوحيد بالإله المقه الذي هو إله مملكة سبأ.