إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا

الدين في اليمن
   


       في هذا الفصل تطلعنا الكاتبة على أهمية ظهور الدين في اليمن لأنه وجه الناس و لذلك ذكرت لنا النصوص العربية أسماء الآلهة التي عبدت في جنوب الجزيرة العربية وسلطت الضوء على قضية من أهم القضايا ألا وهي دور القصائد الدينية في الحضارة اليمنية.
     لقد أكدت الكاتبة على أن الدين ظهر في اليمن بصورة عفوية كباقي الشعوب الأخرى كما أن اليمن اشتركت مع غيرها في عبادة الإله بعل والإله ايل وبعد ذلك أصبح لليمنيين آلهة تخصهم وحدهم تقسمت بين شعوب المنطقة وبقيت محلية بحيث إذا زالت الحضارة زالت معها الآلهة، كما أن الدين في اليمن بني أساسا على الأسطورة والأحلام لتخدم مصالح القائمين على المجتمع، هذا علاوة على أن الدين ساعد الدولة على بناء مظاهر الحياة المتحضرة كبناء السدود باسمه، وبالتالي نخلص إلى أن هذا البناء جاء لتقدم الحضارة اليمنية وهي في الأصل ساعدت على نهضة الإنسان اليمني وتفوقه، و أن الدين هو العامل المحرك لما آلت إليه هذه الحضارة.
نبذة عن الآلهة التي عبدت عند اليمنيين :
     تطلعنا الكاتبة على حقيقة وهي أن الملوك أرادوا التقرب من الآلهة بأية وسيلة من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة ولهذا نجد الملك (أب يدع يشع) أصلح المدينة المعينية من أجل التقرب إلى آلهتها كالإله "ود" الذي يرمز إلى القمر الأب والذي حضي بمكانة هامة لإحدى أقوام جنوب الجزيرة لأن له علاقة باقتصادهم ولهذا أخد مركز الصدارة، وفي المرتبة  الثانية نجد الشمس والتي قدمت لها القرابين، ولقد حملت لنا النصوص الموسومة باسم هاليفي  و جلازر وغيرهم أن اليمنيين كانوا يقدسون آلهتهم وما يدل على ذلك هو استعمالهم كلمة قسم وهذا يدل على مكانة الشمس والزهرة عندهم بعد الآلهة القمر، و بذلك  نجد الإله"عثتر " قد عبده سكان عاصمة كمنهو ولقبه المعينيون بالدليل لأنه هو مرشدهم في الصحراء كما أنه مؤشر زراعي لمواسم الأمطار والحصاد.
     إذن هذه الآلهة التي ذكرت كانت آلهة الخير، و بعدها تحدثت الكاتبة عن آلهة الشر كالإله"بلو" الذي كان يرمز إلى الدمار ولهذا كان لابد من تفادي شر هذه الآلهة واسترضائها، كما أن هذه الآلهة كان لكل واحدة منها عمل تنفرد به وبعد ذلك أصبحت لها مكانة كبيرة في نفوس اليمنيين وعلى ضوء ذلك قدمت لها الهدايا لأنها كانت تحمي قوافلهم التجارية، كما أن الجانب الزراعي استفاد هو أيضا من آلهة الخير التي أمدت أرض البور بالماء ونتيجة لهذا قدمت بعض المنتوجات الزراعية للإله ود، كما أن النقوش اليمنية توجد بها هبات ونذور مقدمة إلى المعابد، وتقدم الهدايا للآلهة أيضا لحماية الناس من الموت في الحروب، كما أن القرابين كانت تقدم لأهداف سياسية خاصة عندما يفوز شعب على آخر وهذا ما نلاحظه عندما هزم شعب كمنهو أمام سبأ وتقدم النذور أيضا للآلهة في حالة المرض أو الولادة... .
     نلاحظ في الأخير أن أجود الأراضي الزراعية استفردت بها المعابد، فجمعت لها العديد من المحاصيل والجبايات والتي تجمع عن طريق تكليف كل كبير في قبيلة ما بجمعها والتي  يتم استعمالها في بناء المعابد... وهذا يدل إذن على أن اليمنيين عبدوا الآلهة عبادة مطلقة وأن الذي لا يعبدها هو بمثابة عدو لهم.
الآلهة المعينية:
     أقيمت العديد من المعابد سواء الصغيرة أو الكبيرة وتميزت بضخامتها كتعبير على مكانة تلك الآلهة في نفوس الناس، كما قدمت النذور لتلك المعابد وصورت الآلهة بأشكال مختلفة كصورة لامرأة تحمل سنابل الحبوب في يدها اليسرى وتنشر بالأخرى الخير فوق الجميع، وكذلك الإله "ود" الذي كان يمثل آلهة الخصب والعطاء وكان ينعت هذا الإله بنعوت كثيرة دون الدخول في تفاصيلها.
     إذن فالإنسان اليمني قام بواجبه تجاه الآلهة وهذه الأخيرة قامت بدورها اتجاهه إذ ساعدت الدولة عن طريق إنشاء ميزانية خاصة بهم تضاهي في أحيان كثيرة ميزانية الدولة.
آلهة حضرموت :
     لعبت آلهة حضرموت دورا كبيرا في نفسية إنسان تلك المنطقة خصوصا على المستوى العقائدي ومن بين هاته الآلهة نذكر الإله "سين" الذي هو كبير آلهة الحضارمة وتم اكتشاف هذا الإله من طرف بعثة بريطانية في الحريضة سنة 1944 واحتل نفس المكانة التي حظيت بها الآلهة الأخرى في جنوب الجزيرة إذ رمز هو أيضا إلى القمر، فأفرد اليمنيون له العديد من الكتابات والنقوش وقدم له الناس الولاء من بينهم ملوك حضرموت وقد ذكر أيضا أن الملك يدع ايل بين بنى معبدا لهذا الإله وقدم له القرابين عند فوزه على ملوك سبأ وذي ريدان وغيرها من الإهداءات المقدمة له خاصة عندما تدمرت معابده أثناء الحروب، كما أن أحد ملوك حضرموت قدم لهذا الإله تمثالين من الذهب لأنه ساعده على الشفاء بسرعة بعدما أصيب وهو يقاتل ملك سبأ وملوك خولان.
     كما أن الشعوب اليمنية اتفقت على عادات كإعطاء القبيلة النازحة القرابين لإله القبيلة المالكة للأرض وعلى هذا الأساس تكونت علاقات وطيدة بين القبائل، أما الملك يدع أب فقد حصن شبوة لحماية عرشه ولصيانة مكانة الإله سين كذلك، وفي هذا الصدد نجد أن النقوش وألواح النحاس المكتشفة ساعدت المؤرخين على معرفة أن الملوك كانوا يقدمون النذور إلى الآلهة خصوصا الإله "سين"والإلهين "علم" و"عثتر"، ولقد أكدت النقوش التي عثر عليها أن هذا الإله قام بدوره تجاه التمدن الحضاري ووصل تأثيره إلى جنوب الجزيرة على حد رأي بعض العلماء، وفي نفس السياق نجد فيلبي وقع في تضارب إذ رأى أن الإله سين الذي ذكر في النقوش البابلية هو نفس الإله الذي قدسه الحضارمة و أن التوحيد الإبراهيمي جاء نتيجة التأثر به.
     وفي الأخير خلصت الكاتبة إلى أن النقوش التي حملت اسم الإله سين كانت سببا في جعل اليمنيين يتشبثون بعبادة آلهتهم ولا يقومون بأي عمل إلا بعد استشارتهم كالحرب، ولذلك فإن جوهر الدين بالنسبة لليمنيين هو تأدية الطقوس والقيام بالأعمال الصالحة واجتناب المحرمات.
تقاليد القتبانيين تجاه آلهتهم :
     لقد كان لكل مملكة إله خاص بها فالإله عم هو إله القتبانيين والإله"سين" كما سبق الذكر هو إله الحضارمة والذي عبده من بعدهم الحميريون، وقبل هذا الإله كانت آلهة أخرى عبدت في زمن الإله"عم" وهي عثتر السماء واثرت... ولقد اعتقد العلامة هومل أن هذا الإله الأخير كان أنثى وأنها كانت زوجة الإله عم وترمز إلى الشمس و إلى غير ذلك وعبدت آلهة أخرى كالإله حوكم وسحرن و رحبن ، وبهذا نرى أن العلماء هم أنفسهم لم يجتمعوا على رأي واحد فيما يخص رمز الإله عثتر فهناك من قال أنه يرمز إلى الزهرة لكن الظاهر أنه يرمز إلى القمر ونتيجة لمكانة هذا الإله بعد الإله "عم" فقد تسموا باسمه.
     كما أن القتبانيين كانوا يقومون باستحضار الآلهة لمساعدتهم معنويا في الأعمال الشاقة ومن هاته الآلهة نذكر انبي والإله عم الذي كانوا يعتمدون عليه في تسيير أمورهم التجارية، نلاحظ أيضا أن معظم ميزانية الدولة كانت تستغل في بناء المعابد كدليل على مكانة تلك الآلهة، كما أن الإنسان اليمني قدس تلك الآلهة وقدم لها الولاء في كل المناسبات، كما نرى أن لكل مملكة إله خاص بها إلا أن أكبرهم هو الإله عم الذي جمعت الجبايات لأجله، وفي بعض الأحيان كانت النساء تقدم نفسها كنذورات للمعابد والذي يشخص الآن عند المسيحيين في أن بعض النساء تصبح راهبات تكرسن حياتهن للعمل في الكنيسة، والملاحظ أن الآلهة كان غالبا ما يستعان بها من أجل نزول المطر وهذا التقليد مازال حاضرا حتى الآن عند اليمنيين.
الآلهة الثمودية وشمال الجزيرة:
     أشارت الكاتبة إلى أن النصوص الثمودية التي عثر عليها ذكرت أن هناك آلهة يمنية وأخرى عربية، ولقد عبد الثموديون الإله ود وأنه وصل إليهم عبر منطقة الجوف وحسب الروايات فإن هذا الإله بقي معبودا إلى حدود ظهور الإسلام إذ صور في صفة طالب رحمة ومغفرة وهذا الإله اعتبره المعينيون أيضا معبودهم الرئيسي وانتشرت عبادته في الجزيرة العربية وذكر اسمه في القرآن، وقد اختلفت رموزه حسب كل قوم فهو في صورة رأس ثور عند المعينيين وغيرها من الرموز أما اللحيانيون فقد قدسوه لأنه إله آبائهم، كما أن الإله ايل حضي بمكانة خاصة عند الثموديين لدرجة أنهم تسموا باسمه،  وإلى جانبه نذكر آلهة أخرى كالإله العزي و يثع والإله هوف، غير أن الثموديين اشتركوا مع باقي الأقوام الأخرى في عبادة الإله عثتر سين مع اختلاف بسيط في اسمه من قوم لآخر، وعلى العموم فكلمة هلاه عند العلماء تعني إله، ولقد رأى العلماء أن لفظة ايل تدل على اسم إله دون ذكر اسمه وهذا ما نلاحظه عندما نذكر اسم الله سبحانه وتعالى الذي قدسه اليهود والمسيحيون والمسلمون.
     ومن الآلهة التي عبدت في منطقة ثمود الإله يهو والذي ورد اسمه ممزوجا بأسماء قتبانية وعبده اللحيانيون والذين هم حسب بلينوس من الشعوب العربية الجنوبية، وهناك من رأى أنهم سكنوا بالقرب من مستوطنة الديدان وتمكنوا من الاستيلاء عليها بعد ضعف المعينيين وربما أنهم هم من جاؤوا بالإله يهو والذي ربما قد عبدته كل الأقوام العربية الغربية وهذا الإله كان إلها دمويا وقد قدسه أيضا الثموديون والملاحظ اعتمادا على الكتابات أن هذا الإله لم يعثر له على أي رمز وبهذا قد يكون إلها محليا، وحسب فرويد فهو إله بركاني لأنه عبد في المنطقة البركانية.
آلهة سبأ وتقاليدها:
     لقد عبد السبئيون الإله المقه وحضي بمكانة هامة خصوصا عندما تمكن ملوكها من الانتصار في الحروب فوسعوا رقعتهم وتوسع معها نفوذ هذا الإله الذي أصبح إله شعوب جنوب الجزيرة وأصبح بذلك هو الإله القومي على كل الأقوام اليمنية، ووصل صداه إلى الشرق ولذلك قدم له المعينيون الطاعة والقتبانيون قدموا له الجبايات والنذور... وتمكن يكرب ملك وتر من  انتزاع النصر العسكري بمساعدة هذا الإله  وغيرها من الأحداث التي تؤكد على المكانة التي احتلها   الإله المقه، وبانتهاء الحرب بين قتبان وسبأ فإن هذه الأخيرة هي التي تحكمت وفرضت عبادة الإله المقه على المماليك الأخرى وأصبحت مأرب بعد انتزاعها الإله المذكور من صرواح هي عاصمة الدولة وبذلك عاشت سبأ تمدنها، وهناك من يقول أن الإله المقه وصل صداه إلى مكة وأن لفظها في الأصل هو مقه وأن كلمة مكرب في الأصل هي مقرب وهذا ما أكده بطليموس وأن هذه الكلمة أي مكرب حسب جواد علي تدل على مكة والتي استفادت من موقعها التجاري بعد انهيار مكانة جنوب الجزيرة وأن اليمنيين ذهبوا بإلههم المقه إلى مكربه والتي أصبحت عند بطليموس هي كعبة الإله المقه.
     ولقد بنيت كعبة مكة مخالفة لكعبة المقه وبقي ارتباط اليمنيين بإلههم المقه خصوصا بعد انهيار حضارتهم، وفي هذا الصدد نجد أن الرسول صلى الله عليه و سلم  أدرك صلة مكة باليمن وقال أن الدين يمني خصوصا وأنها تقع في السهل التهامي، أما أصل كلمة المقه فقد اختلف المؤرخون حول تسميته فقال ايوالد أنها تدل على اللمعان وهناك من قال أنها تعني القوي وهذا الاختلاف أعطى للأسطورة مكانها فألفت ما تريد، أما المؤرخ اليمني أبو الحسن بن يعقوب الهمداني فرأى أن أصل الكلمة هو يلمقه والمقه الذي يعني الزهرة و أن سبأ عندما فرضت عبادة هذا الإله فقد فرضت عبادة الزهرة.

     وفي الأخير يمكن القول أن هذا الإله تعددت رموزه من بينها صورة حية وغيرها، وهذا إذا أكد على شيء فإنه يؤكد على أن سبأ كانت أعظم مملكة في جنوب الجزيرة وقد أكد هذا القول البروفيسور بستون في كتابه بنات سبأ.