إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا
الأنبياء من وجهة نظر العلم المثالي
ترى ثريا منقوشمن وجهة
النظر التي حاولت الجمع بين الكتب المقدسة وروايات الإخباريين وكذلك على معطيات
العلم، ونتج عن ذلك أن أصبحت أسيرة مفاهيم مثالية وغيبية وإن كانت حديثة لها قدرة
على فهم العلم الحديث، ولقد كان العلماء الأجانب من رواد هذا الاتجاه وتبعهم في
ذلك الكتاب العرب ومن بينهم اليمنيون، كما تناولت الكاتبة نماذج من الذين انتهجوا
نفس المنهج التاريخي محاولين في ذلك تطويع العلم وكذلك التنقيبات الأركيولوجية
للمعلومات الدينية المقدسة في قضية من أهم القضايا التاريخية.
ولقد
وجه المستشرقون الأجانب كل اهتماماتهم حول الشخصيات التاريخية التي ورد اسمها في
القرآن والتوراة والإنجيل خاصة وأن الإنسان المؤمن قد قدسها بشدة، ومن هاته
الشخصيات التي أثارت انتباههم نذكر إبراهيم فالمستشرق فيلبي الذي اهتم بحضارة
الجزيرة العربية قد ألف كتابا يتحدث عن إبراهيم وفكرة التوحيد.
وفي
هذا الصدد رأى فيلبي أن الساميين الجنوبيين نقلوا معهم إلههم القمر إلى بابل وقد
نافس هذا الإله إله الآراميين الشماليين ونتيجة لهذا الخلاف نادوا بفكرة الخالق
الأحد وقد نسبت هذه الفكرة إلى الأب أبراهام والتي لاقت إعجاب الوثنيين، ولقد ذكر
أيضا أن ثلاثة ملوك ينتمون إلى بابل نادوا بعقيدة التوحيد إلا أن الوثنيين أسقطوا
الملك الثالث، وحسب ما نقلته التوراة فإن هذا الملك هو أبراهام الذي ذهب بعد ذلك
الحادث إلى فلسطين.
وحسب
الكاتبة فإن فيلبي بالغ في تقديره لقدم الحضارة اليمنية لأنه لم يفرق بين مشاعر
الذات ومنطق البحث العلمي فهذا يتطلب منا التعامل مع الأمور بموضوعية ، كما أن
فيلبي أرجع فكرة الخالق الأوحد إلى الفكرة اليمنية في التوحيد القمري، وعلى حد قول
هؤلاء المؤرخين فإن التوحيد اليمني قد سبق زمن إبراهيم الخليل غير أن كل هذه الافتراضات
ليس لها أساس من الصحة حسب ما توصل إليه العلماء حول قيام الحضارة اليمنية.
ولقد
دحضت فكرة أسبقية الحضارة اليمنية على باقي الحضارات فحسب النقوش المكتشفة فإن
حضارة بابل هي الأقدم، ولم يتوقف فيلبي عند حدود تلك الافتراضات الخارجة عن المنطق
بل استمر في ذلك، أما المهتمون بالتاريخ من العرب فقد تبنوا وجهة النظر الجامعة
بين العلم ومعطياته والمعلومات الدينية بذهنية غيبية مثالية، ولقد وقع أصحاب هذا
الفكر على الرغم من ثقافتهم العصرية في معطيات الذهنية الغيبية ومن هؤلاء نذكر
أحمد سوسة في كتابه "العرب واليهود في التاريخ" غير أن الكاتبة انتقت من
هذا الكتاب الجزء الذي تناول "عصر إبراهيم وإسحاق ويعقوب" فحسب أحمد
سوسة فإن ظهور مسألة التوحيد الربانية تعود إلى إبراهيم الخليل وأكد ذلك بأن
إبراهيم الخليل ينتمي إلى القبائل الآرامية التي هاجرت إلى بابل وهكذا جعل من
إبراهيم شخصية تاريخية حقيقية ولم يكتفي بذلك بل أكد أيضا على أن إبراهيم قام
بمجموعة من الهجرات.
ولقد
ربط الدكتور سوسة بين الإله سين وبين شخصية إبراهيم وفكرته التوحيدية التي ذكرت في
التوراة إلا أنه لم يدعم المعلومات التوراتية بدلائل مادية وإنما أخضع معطيات
العلم للفكرة الدينية التي آمن بها مسبقا، وذكر أيضا أن إحدى السلالات السامية
البابلية آمنت بعقيدة التوحيد بالإله الواحد لكن المشكل هو أنه كيف استطاع الدكتور
سوسة الجزم في أن ذلك التوحيد هو نفسه التوحيد الإبراهيمي علما أن التوحيد الذي
ظهر في القديم لم يقصد به الإيمان بإله غيبي وإنما هو جمع تلك الآلهة في إله واحد
وبذلك أصبح الأقوام يقدسونه مع اختلاف بسيط في اسمه من منطقة إلى أخرى وأن هذا
التوحيد ظهر في عهد أخناتون و أن إبراهيم الخليل عاش قبل الميلاد بتسعة قرون وبذلك
قد سبق ظهوره ظهور الفكرة التوحيدية الأخناتونية بستة قرون، وبالتالي نجد الدكتور
أحمد سوسة يبين عكس كلامه علما أن التوحيد اليمني ظهر بعد التوحيد الأخناتوني وهذا
الكلام جاء وفق آراء العلماء المعاصرين.
أما
حسب العلماء المحدثين وعلى رأسهم بستون و دريفيز فقد أعطوا رأيا مخالفا لفيلبي و
هومل إذ ذكروا أن فكرة التوحيد اليمنية المتجسدة سواء في الإله سين أو المقه قد
ظهرت في الجزيرة بعد قيام الحضارة في مختلف ربوعها وهنا يطرح السؤال الآتي : كيف
ظهر الإله سين قبل ذلك في العراق؟
لقد
سقطت كل أفكار فيلبي المتمثلة في نشوء الحضارة اليمنية على ضوء الآراء والاكتشافات
الحديثة ومع ذلك فقد ظل الدكتور سوسة يستشهد بفيلبي خصوصا في محاولة ربط إبراهيم
بعقيدة التوحيد وأنه هو الذي أسسها، ولم يقف عند هذا الحد من الافتراءات الزائفة
بل انتقى معلومات من المؤرخين العرب فيما يخص قصة المولود المعجزة الذي هو إبراهيم
وأضاف الدكتور سوسة أن هناك صلة بين إبراهيم والعرب وبذلك نجد أن هذا الدكتور قد
وقع في كثير من التضارب لأنه لم يستطع التفريق بين معطيات العلم والآراء الغيبية
التي سيطرت على تفكيره.
والملاحظ
أن أصحاب هذا المذهب ركزوا على شخصية إبراهيم ولذلك فقد اتخذوا من التوراة والقرآن
أهم المراجع التي يمكن الاعتماد عليها، فالتوراة تؤكد على أن الله أنزل إبراهيم إلى
الأرض ليوجههم إلى الطريق الصحيح و أنه ينسب إلى اليهود ،أما القرآن فقد دحض هذا
النسب وأكد على أن إبراهيم ينتمي إلى الجزيرة العربية وأنه مسلم.
وبالنسبة
لهود وصالح نجد أن القرآن هو وحده الذي تحدث عنهما، في حين أن التوراة لم تعطيهما
أهمية مما أدى إلى تناسي هذه الشخصيات عند المؤرخين العرب أو المستشرقين الأجانب
ذوي الاتجاه المثالي وأنها المرجع الذي يعتمده المؤرخون للتحدث عن حوادث التاريخ، فالتوراة ركزت فقط
على التحدث عن الشخصيات الأسطورية وجعلتها محور الحوادث التاريخية لأقوام الجزيرة
بهدف ربطها ببني إسرائيل، أما الشخصيات التي تحدث عنها العرب والتي مثلت قمة
المعجزة الربانية لم تولها التوراة أية اهتمام مع العلم أن جل ما أوردته كان خاطئا
لأنها تعرضت للمس من طرف الإنسان، و بذلك نرى أن ما سجلته التوراة كان الهدف منه
هو تمكن قورش من بناء دولة يهودية في فلسطين وبذلك قاموا بتسخير كل إمكانياتهم
لذلك الغرض بما فيها التوراة لأنها كتاب مقدس والتي مست في حين أن القرآن لم يحرف
وبقي كما أنزل من الله سبحانه وتعالى.
ولقد
اتبع اليمنيون هذا الاتجاه وساروا على منواله و خصصت الكاتبة الحديث عن نوح وصالح
وهود معتمدة في ذلك على القاضي الشماحي الذي ألف كتابا تحت عنوان "اليمن
والإنسان والحضارة" وتحدث فيه عن قوم عاد الذين عاشوا في ترف غير أنهم عندما
رفضوا دعوة هود عانوا من القحط، ثم انصرف الشماحي للتحدث عن أحد ملوك عاد الأول وهو الملك الخلخال
فيقول أن زمن عاد الأول كان في عهد هود الذي نادى بإتباع دعوته التوحيدية ...
إن
المعلومات التي استقاها الكاتب على إثر التنقيبات الأركيولوجية التي حصلت في
المنطقة إذ وجدت أسلحة صوانية وقطع متحجرة من بيض النعام وحاول هذا الأخير إخضاع
هذه المعلومات العلمية للمعتقدات الغيبية السابقة التي آمن بها ونتيجة لذلك قام
بمزج تعسفي للعلم و القيم الدينية والأفكار المثالية و استمر في هذا المزج التعسفي حين قال أن نهاية الأحقاف كانت متزامنة مع نهاية
عاد الأولى والذي كان في السابع قبل
الميلاد وهي السنة التي بدأت تتشكل فيها عاد الثانية، وهذا يعني أن الكاتب حاول أن
يثبت أن الحضارة اليمنية هي أولى حضارات الجزيرة و أن الحضارات
التي ظهرت في شمال الجزيرة ما هي إلا حضارات مستوحاة من جنوب الجزيرة
العربية، وهذا يدل على أن الكاتب أراد تثبيت المعلومات التي وردت في الكتب المقدسة
وتدعيم مكانة اليمن خاصة الجغرافية و الأثرية وعلى حد قول الكاتب فإن اليمن هي
الموطن الأول للساميين وغيرها من الأقاويل الغالبة عليها الأسطورة، وإلى جانب
الكاتب القاضي الشماحي نذكر زيد عنان الذي
صار على نفس المنهج ففي كتابه الذي هو تحت عنوان "تاريخ اليمن القديم" أراد
إثبات أشياء لم يعمل العلم على مناقشتها ورغم أهمية هذا الكتاب الوثائقية غير أنه
أخضعه للطريقة السلفية المتعسفة في تناول أحداث ما قبل الميلاد كأخبار العمالقة
....، ولقد افتتح زيد عنان كتابه بمحور تحت عنوان "عمالقة العراق" فقال
أن أول من ذكر سيادة العرب على العراق هو الكاهن الكلداني بروسوس وأن هذا الأخير
ألف كتابا تحدث فيه عن حضارته وأهداه إلى ملك سوريا "انطيوخوس" ولقد
تناول بروسوس في كتابه هذا و الذي ضاع الدول التي توالت على ما بين النهرين وعلى
عدد ملوكها وعلى مدة حكمهم لها وأصبح هذا الأخير كمصدر معتمد في تناول الأحداث
التاريخية، ثم أراد فيما بعد زيد عنان إثبات أن حمورابي عاصر إبراهيم وجعل من
إبراهيم الشخصية القوية التي قضت على حمورابي، وبذلك نرى أن المؤرخين العرب و
المسلمين قديما والمتأثرين بهم حاليا لم يعرفوا التفريق بين الأسطورة والحقيقة
كزيد الذي رأى أن حضارة بابل العظيمة كلها تكمن بشكل أساسي في إبراهيم الذي ورد
ذكره في التوراة.
ولقد
خلصت الكاتبة في الأخير أن تاريخ الجزيرة الذي ذكر في التوراة كان يخدم مصالح
الكهنة اليهود وعلى هذا الأساس تأثر بهم المؤرخون المثاليون.
1 تعليقات