إذا لم تجد موضوعك بامكانك كتابته في تعليق وسيكون متاحا في الموقع في أقل من 12 ساعة مع إرسال نسخة لك على بريدك الالكتروني أو أرسلــه لنـا

     التوحيد والموحدون الاولون


    هناك مجموعة من المؤرخين رأوا أن أول الموحدين هو إبراهيم ونسبوه إلى اليهود في حين أن القرآن ذكر العكس فاعتبر أن أول الموحدين هو نوح ومن بعده هود.

قصة نوح وهود :
     ذكر القرآن الكريم أن نوح هو أول الموحدين وأنه حسب تفسيرات الروائيين ينتمي إلى سلالة عاد الأولى، كما قامت التوراة بوضع شجرة نسب لنوح والذي نزل بعد الطوفان في مكة، ثم انتقلت الكاتبة للتحدث عن هود فرأت حسب ما ذكر في القرآن أنه ينتمي إلى سلالة عاد ومن السور التي ورد فيها هذا الأمر نذكر سورة الشعراء والحاقة وغيرها من السور التي ركزت أيضا على التذكير بالعذاب الذي لحق قوم هود ليكون عبارة عن درس ديني أو بالأحرى سياسي والهدف منه هو جعل شعوب تلك الفترة يتقبلون سلطة الدولة الجديدة دون أية استفسارات .
     ونتيجة لما ورد في القرآن قام المفسرون وغيرهم بوضع شجرة نسب لهود إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم حول هذا الموضوع، غير أن الأهم من ذلك هو أنه سكن بالأحقاف، ولقد قام أيضا ابن كثير وابن الأثير بوضع شجرة نسب للقبائل والعشائر والتي اختلفوا فيما بينهم حولها، والملاحظ أن الله أرسل هود إلى عاد الأولى لأنهم كانوا يعبدون الأوثان الثلاثة وهي ضرا وضمور والهبا والتي اختلفت أسماؤها من مؤرخ لآخر، ومحاولته جعلهم يعبدون الله إلا أنهم رفضوا ذلك فأصابهم القحط ومن نجا من تلك الآفة عانى من قسوة الريح.
     واعتبر المؤرخون أن الناجين هم من بقايا عاد الأولى والذين تكونت منهم عاد الثانية ثم ذكر الإخباريون أن هود هو أول من تكلم العربية باعتباره الأب الروحي لقوم عاد وأنهم ينتمون إلى العرب العاربة وأن المشاكل الطبيعية هي السبب في انتقالهم إلى شمال الجزيرة ومن بعد ذلك قضى على سلالتهم يعرب بن قحطان.

قصة صالح :
     في هذا الصدد أعطت الأنساب لأنبياء جنوب الجزيرة العربية الحق في السبق التاريخي والحضاري والمدني على أنبياء بني إسرائيل، ومن تم كانت الجزيرة العربية هي من استوطن بها الرسل والأنبياء الذين جاءوا للتعريف بحضارة أقوام تلك الجزيرة والتي انهارت لأسباب عدة منها ما هو اقتصادي وآخر تجاري وغيرها من الأسباب لكن أهمها هو رفض قوم صالح إتباع دعوته وهي الإيمان بالله عز وجل.
     وقد ذكرت الكاتبة أن صالح قد دخل مع قومه في حديث طويل من أجل منع تلك الحضارة من الدمار لكنهم ظلوا متشبثين بعبادة ما كان يعبده آباؤهم وبعد ذلك طلب صالح من قومه رعاية الناقة غير أنهم فعلوا العكس، وعندها قضى الله عليهم ونجا صالح ومن آمن معه، وهناك العديد من الآيات التي تؤكد على أن أهل اليمن وثمود عاشوا حياة التمدن والحضارة لكن هؤلاء لم يتبعوا الدعوة التي جاء بها  صالح وهي التوحيد.
     ويذكر القرآن في سورة النحل أن هناك جماعة كان همها هو إثارة الفتنة وهي ثمود التي لم تصدق دعوة صالح وبذلك قضى الله على الكافرين ونجا من آمن به، وقد ذكرت سور عديدة أن عاد لها صلة بثمود لأنهما عاشا معا في منطقة الأحقاف فوصلت أخبار ما لحق بهم من عذاب إلى نبي اليهود موسى في حين أنها لم تذكر في التوراة لأنه مصري الأصل ومن تم يكون هو أول من أدرك الأسباب التي أدت إلى انهيار حضارة جنوب الجزيرة العربية، كما أن عدم ذكر أخبارهما عند اليهود يدل على أن هؤلاء كانوا يرددون فقط ما يريدونه لما له علاقة بأمور سياسية، في حين أن الرسول صلى الله عليه و سلم  كان هدفه هو إعطاء العبرة لما حل بأقوام جنوب الجزيرة العربية من عقاب خصوصا قوم نوح وعاد وثمود.
     ولقد ركز القرآن في مجموعة من آياته على التذكير بما حل من عقاب لأقوام جنوب الجزيرة العربية في مرحلة متقدمة من تاريخ الأديان وخصوصا قوم هود وصالح من أجل تثبيت دعائم الدين الجديد دون مشاكل تذكر، ونتيجة لما ذكر في القرآن وضع الروائيون شجرة نسب لصالح ومن خلالها استخلصوا أن قومه كانوا يعبدون الأوثان وأن صالح دعاهم إلى إتباع دين التوحيد اللاهوتي وكما هو معلوم عند المسلمين فإن قوم صالح رفضوا تصديق دعوته التوحيدية.
     ولقد ذكر الرسول العربي القرشي أن الأقوام الذين سبقوهم من الجزيرة العربية عاشوا حياة الترف ومن هؤلاء نذكر قوم صالح والذين طلبوا منه إنزال آية فأنزل الله إليهم الناقة، وبعد ذلك جاء صالح الوحي فرأى أن قومه سيحاولون قتله إلا أن الله نجاه فانتقموا منه عبر قتل ناقته أما فصيلها فقد اتجه نحو الجبال التي جعلها الله شامخة لتحميه، وعند عودة صالح بكى الفصيل والذي هو ندير شؤم إذ نزل من السماء عذاب كبير على قوم صالح استمر ثلاثة أيام وبعدها جاءتهم صيحة من السماء قضت عليهم.
     ولقد تحدث الإخباريون بعد القرآن عن الصراع الذي كان قائما بين الأنبياء وملاك تلك الأقوام والذي ينتهي دائما بانتصار الأنبياء وكمثال على ذلك نذكر الطوفان الذي أصاب أصحاب نوح.. وهذه الحوادث كانت قبل مجيء إبراهيم بدعوته التوحيدية وبالتالي فدعوة صالح وهود ظهرت قبل دعوة إبراهيم بعدة قرون ولقد وضع النسابون شجرة للقبائل التي سكنت جنوب الجزيرة قبل ظهور إسماعيل وسموا تلك القبائل بالعرب العاربة، فذكروا منهم عاد وثمود..، هذا وقد تولى القرآن  مهمة التحدث عن ما أصاب أقوام جنوب الجزيرة العربية وخصوصا منطقة ثمود التي كذبت صالح والهدف من هذه الأخبار التي جاءت بعد انهيار الحضارة اليمنية إثر تحول الطرق التجارية هو زرع الخوف في قلوب الناس الذين استوطنوا في وسط وشمال الجزيرة خصوصا بعد هجرة معظم القبائل الجنوبية التي أصابها القحط إلى هناك.
     ولقد كان لتحطم سد مأرب دور في جعل الناس يخافون في تلك الفترة ظنا منهم أنه يمكن أن يصيبهم ما أصاب قوم هود وصالح لأنهم لا يعلمون أن ما ذكر عن تلك الأقوام قد دخلت فيه الأسطورة لأهداف سياسية والتي وجدت مكانها في مخيلة إنسان تلك الفترة خصوصا عندما نزح اليمنيون من جنوب الجزيرة إلى شمالها ووسطها ، و لقد أكدت الكاتبة على أن القرآن الكريم قد تبنى أخبار الأنبياء و كذلك أقوام جنوب الجزيرة من أجل دعم الدعوة التوحيدية التي كان يحاربها مجموعة من الناس وبالخصوص طبقة التجار و الأغنياء من قريش لأن الدعوة المحمدية تأسست على مبدأ المساواة.
     لقد نشرت أخبار تتحدث عن مكانة الأنبياء الموحدين وعن كل ما يتعلق بهم والتي نشرت اعتمادا على الكتب المقدسة وكذلك على الأخبار المتداولة التي كان يحكيها الآباء لأبنائهم وجعلها تصبح أسطورة مقدسة غير قابلة للتغيير أو حتى مناقشتها، وهذه الأساطير كانت متصلة بما حدث لأقوام صالح وهود وكانت تتحدث أيضا عن ما نقله هؤلاء لأقوامهم من معجزات خارقة لقوى الطبيعة، فحاول المجتمع تفسيرها بدءا بما حصل للحضارة اليمنية التي انهارت ومن تم كان من الصعب تفسير ما حل لأقوام جنوب الجزيرة العربية وتفضيل ربطها بالسرد الأسطوري.
     ما نلاحظه الآن هو أن الحكاية الأسطورية في السرد القرآني أترث على أتباع الرسالة التوحيدية خاصة وأنها ظهرت بعدما حل لأقوام جنوب الجزيرة في البداية ثم      تحطم الحضارة اليمنية ككل، وما نلاحظه أيضا هو أن الفكر الأسطوري  عند العرب كان أساس فلسفتهم ومن هؤلاء نذكر "إيغالا" الذي حكا عن ناقة صالح وغيرها.....
     وبذلك نلاحظ أن الهدف من تلك الأساطير هو تثبيت فكرة العظمة المطلقة لله سبحانه وتعالى الذي خلق السموات والأرض وكذلك الإنسان.

قصة إبراهيم ونسبه:
     لقد اختلف المؤرخون حول نسب إبراهيم وربما يكون هذا الاختلاف هو إضافات ذاتية من كل إخباري على حدا، لكن الأهم من ذلك هو أن المؤرخون لم يكتفوا بوضع سلسلة نسب لأب إبراهيم بل وضعوا أيضا شجرة نسب لأم إبراهيم، كما أن المؤرخين اختلفوا في المكان الذي ولد فيه إبراهيم ثم أجمعوا على أنه عاش في زمن نمرود بن كوش وغيرها من وجهات النظر المضادة التي وقع فيها المؤرخون مع بعضهم البعض...
     ولقد كان للأساطير السومرية والبابلية دور، فقصة المولود المعجزة مقتبسة منهما وتحكي هذه القصة عن طفل ولد في المغارة خوفا من الملك نمرود الذي كان يريد قتله وأن أمه قالت لأب الطفل أنه مات، وهناك قصة أخرى تذكر أن أب الطفل كان يعرف أن ابنه حي حيث كتم هذا السر عنوة لكي لا يصاب ابنه بأية أذى وأنه عندما كبر قليلا أخرجه من المغارة لأول مرة وأن الأب كان يسأل الابن عن أسماء الأشياء فيجيب الطفل بثقة كاملة في حين أنه لم يرى تلك الأشياء من قبل وهنا تكمن المعجزة وعلى إثر ذلك أصبحت كل أمة تريد أن تنتسب له ومن المؤرخين الذين أرادوا ذلك نذكر ابن عساكر، كما روى المؤرخون أن إبراهيم تزوج من ابنة أخيه سارة والتي لم تكن تنجب وأن عائلة إبراهيم رحلت من بابل إلى أرض كنعان وأنه وجد أهل الشام يعبدون الكواكب السبعة، وواصل ابن الأثير ذكر تلك الحكايات الأسطورية بما فيها أن إبراهيم رأى أن الشمس هي الله وغيرها من المعجزات و الأساطير التي لا معنى لها الآن من الصحة.
     لقد تبرأ إبراهيم من دين قومه الذي كان يقوم على عبادة الأصنام خصوصا وأن أباه كان يصنعها ويعطيها لابنه إبراهيم الذي كان يعمل معه ليبيعها لكنه كان يكسرها ويرميها في النهر فعلم قومه بذلك بعد أن أتى إبراهيم الرشد من الله و أصبحوا يتفادون الوقوف معه خصوصا وأنه استهزأ من عبادتهم بما فيه الكفاية.
     وبعد ذلك طلب إبراهيم من أبيه ترك عبادة الأصنام لكنه رفض وعندها قام إبراهيم بتحطيم جميع الأصنام ولما سأله قومه من فعل ذلك أجاب أنه هو، وهنا دخل إبراهيم مع قومه في حوار من نتائجه الحكم على إبراهيم بالحرق إلا أن ذلك لم يحدث لأن الله نجا كل الرسل و الأنبياء من العذاب، وبعد ذلك أصبح مجموعة من قوم إبراهيم يعبدون الله ومن هؤلاء نذكر ابن أخيه لوط وزوجته سارة وأصحابه الذين أصبحوا فيما بعد من أتباعه الذين تناسلوا في نسب إسماعيل و إسحاق وبدأ الصراع بينهما حول من له الأحقية في التناسل من نسل إبراهيم.
     لقد كان إبراهيم يدرك أن رسالته التوحيدية لن تلقى الصدى الطيب خصوصا عند قوم يعبدون الأصنام ومع ذلك دعاهم إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وكان في المقابل ضد الفكر الديني الحسي و الذي كان يسيطر على حياة المجتمع.
     إن إبراهيم كان من ضمن الأوائل الذين حملوا مشعل التوحيد لكن سبقه في ذلك هود وصالح، ومع ذلك فقد أخد الحيز الأكبر في الكتابات التاريخية لأسباب سياسية، ولذلك نجد أن كل قوم حاول نسبه إليهم غير  أنه استقر في مصر وخلف في الجزيرة العربية إسماعيل الذي أصبح الأب الروحي لأقوام الجزيرة، كما أن نظرة إبراهيم للكواكب لم تكن إلا تجسيدا للعبادات القديمة فاليمنيون كانوا يعبدون الشمس والقمر والزهرة وغيرهم من الأقوام التي قدست تلك المعبودات التي كانت سائدة في الجزيرة العربية ككل .
     لقد جعل القرآن من إبراهيم نبيا قوميا وإنسانيا عاما و لا ينتمي لليهود والنصارى وهذا ما تبنته سورة آل عمران و أن الدعوة التوحيدية لها أصول عربية جنوبية لأن هود وصالح سبقوا إبراهيم في تلك الدعوة وقد سمى الله المسلمين بحنفاء.
     ولقد أعطى الله مكانة كبيرة للأنبياء إذ ذكرهم في العديد من السور القرآنية وهو الذي اعتمد عليه أقوم الجزيرة العربية، أما الفلاسفة المثاليون فقد جعلوا القرآن سجلا مقدسا ظهر منذ زمن قديم ومعه التوراة.
     إذن هذه هي وجهة النظر المادية لقضية الموحدين الأول وهنا يطرح سؤال ما هي وجهة نظر المثالية لأول دعاة التوحيد بالذات الإلهية؟.
     في هذا الصدد رأى انجلز أن الأنساب الواردة في سفر التكوين تبين أن القبائل البدوية كانت تسمى ببني صالح وغيرهم من الأسماء التي كانت نابعة من نمط الحياة البطريركية القديمة، وأن هذا القول يؤيده مجموعة من الجغرافيون والرحالة المحدثون وهذا يؤكد على أن اليهود أنفسهم ينتمون إلى قبائل البدو الصغيرة  وأن الظروف الزراعية جعلتهم في تعارض مع البدو الآخرين ولذلك فإن تلك الأنساب هي تعداد لقبائل البدو التي كانت موجودة في الجزيرة العربية، أما كارل ماركس فقد رأى أن تسميات بني إبراهيم أو بني هود تعود إلى العهد البطريركي الذي طغت فيه سلطة الرجال على النساء مما أدى إلى أن تصبح العشيرة في يد رجل واحد كبير وبذلك أصبح الجد مقدسا، وبتطور الزمن دخلت عبادات جديدة في حياة الإنسان مع توزيع القبائل وانتشارها في مختلف أنحاء المعمورة ولقد استمر هذا التطور إلى أن اختفى تقديس العادة القديمة وبذلك أصبح الجد مجرد تقديس، أما المعبود فقد أصبح هو النبي وهو في نفس الوقت الجد الأكبر لمجموعة من الأقوام وهذا ما يفسر اعتراف اليهود بإبراهيم في التوراة وكذلك بقية القبائل العربية غير أنهم تناسوا صالح ولقمان، إلا أن القرآن ذكر بهم ونفس الأمر فعله المسلمون عندما وضعوا أنسابهم السلالية ليؤكدوا أسبقيتهم في التوحيد سواء من إبراهيم أو من هود وصالح.

     وفي الأخير نجد أن الإسلام استفاد من المعلومات التاريخية التي تتحدث عن انهيار الحضارة اليمنية وكذلك عن أسبقيتها في التوحيد لأن الإنسان اليمني ذاكرته ضعيفة.